لو كانت هناك نقابة للمبذرين، إخوان الشياطين، لكنت نقيبها الذي لا يتزحزح عن كرسيه إلا بعد تدخل عزرائيل، ورغم ذا، لا أظنني على استعداد لتبذير وقتي ووقتكم في استجواب الجويهل لوزير الداخلية، وهو استجواب أشبه بالمطبة التي لا تأخذ من وقتك إلا نتفة، ولا يتطلب التعامل معها إلا تخفيف السرعة قليلاً، قبل معاودة السير بالسرعة السابقة ذاتها. ولولا الحياء لقلت إن استجوابه لا يرقى حتى إلى أن يكون مطبة أصلاً، ولا يتجاوز مستوى وتأثير “عيون القط” المتناثرة في الشوارع، التي أسماها الشاعر ضيدان بن قضعان “مطبات طرررط”، في حين أن استجواب الأغلبية يعادل ويفوق متانة جدران الملاجئ، تصطدم به سيارة الوزير فتتهشم، وتمتنع شركات التأمين عن تعويضه.
ولن أضرب الودع كي أدرك أن الشمالي، وزير المالية، أصبح منصوباً بالفتحة، كخبر كان “كان الشمالي وزيراً” وعلى من يرغب في “وراثة” كرسيه الإسراع بتلميع نفسه منذ اللحظة. خلاص. قُضي الأمر.
على أن استجوابات الأقلية ضرورة طبية للوزراء، تماماً كالأمصال المضادة للأمراض. والأمصال، كما تعلمون، هي كميات قليلة من البكتيريا المسببة لمرض ما يُحقن بها الجسم ليشكل درعاً واقية أمام المرض ذاته. وأجزم وأزعم أن الوزير الذي استجوبته الأقلية ونجا، أو ستستجوبه وينجو، قد بنى قلعة يصعب حتى على تيمورلنك وجيوش التتار دكها بمنجنيقهم العظيم، مالم تقرر الأغلبية خلعه كضرس العقل. مع التأكيد على جملة “مالم تقرر الأغلبية”.
وأشعر أن البعض، من داخل المجلس وخارجه، يسعى إلى اظهار الاستجواب كالعجوز الأرملة، لا حول لها ولا هيبة ولا قوة، ويحرض الأطفال على السير خلفها ورجمها بالحجارة لإهانتها، ناسياً، هذا البعض، أو متناسياً، أن السيف وحده لا يخيف، ما لم يكن في يد من يجيد التعامل معه، وكم من سيف اشتكى الجفاف، وصلى صلاة الاستسقاء بحثاً عن قطرة دم واحدة، في الوقت الذي غرق فيه سيف عنترة في بحار من الدماء. فيا سيداتي سادتي، لا تخشوا السيف ولا تستهينوا به، بل اخشوا حامله أو استهينوا بحامله واحتضنوا وسائدكم وناموا، كما في استجواب الجويهل للحمود.
وتسألني عن محاور استجواب الجويهل، فأجيب: “هو استجواب قائم على محاسبة الحمود بما فعله ذوو القربى من الوزراء السابقين”، وفي عادات القبائل العربية، يتحمل المرء جرائم قريبه. والجويهل باستجوابه هذا إنما يرسخ عادات أجدادنا التي يحفظها جيداً، بدءاً من نوعية القهوة وليس انتهاء بالقصاص من أقرباء الجاني إذا تعذر العثور عليه.