الخبر، كما نشرته هذه الصحيفة التي بين يديك: “سيناريست يهودي يتهم الممثل ميل غيبسون بمعاداة السامية”. ليش يا أخانا اليهودي؟ لأنني أعطيته سيناريو فيلم يتحدث عن بطولة أحد اليهود فرفض غيبسون الفيلم، لذا فهو معاد للسامية لاشك.
هذا هو السبب فقط، وهو سبب مقنع كما ترى، عندك اعتراض؟ وبالطبع سيضغط اللوبي اليهودي على أعصاب غيبسون، فيعقد الأخير مؤتمراً صحافياً يبرر فيه رفضه ويكرر حجته: “السيناريو ضعيف ولا يرقى إلى إخراجه كفيلم”، فترد الجماعات اليهودية عليه وهي تمسح دموع المظلومية: “إلى متى ستستمر في معاداة السامية” فيقسم غيبسون برأس أمه إنه لا يعاديها، فتقسم الجماعات برأس أمه هو إنه يعاديها، ويدور السجال على حل شعره وعلى صفحات الصحف وشاشات الفضائيات، فيذعن غيبسون في النهاية ويوافق مذموماً مدحورا، وبلا منة، رغماً عن أنفه، أو غصباً عن نخرتو، كما يقول ربعنا السودانيون.
ويقولون: “السينما الأميركية حرة”، وأقول: “السينما الأميركية هرة… تتحكحك على أقدام اليهود وأصحاب رؤوس الأموال”. وتنمو الصحافة الأميركية والسينما الأميركية والسياسة الأميركية ورقابها تحت سيف “معاداة السامية”.
وفي الكويت يوقفك شاب في مركز تسوق: “لو سمحت اكتب عن مديري الذي يتربص بي ويبحث عن أدنى سبب لمعاقبتي”، فترد عليه وأنت تقرأ آية الكرسي في سرك: “كان الله في عونك” فيستفسر: “إذاً متى ستكتب عنه؟” فتنفخ إجابتك في وجهه: “أنا أكتب في الشأن العام يا عزيزي، وقضيتك هذه قضية خاصة”، فيعلق بغضب: “قل إنك لا تكتب إلا ما يشتهيه ملّاك الصحيفة”! وقبل أن يرتكز حاجباك دهشة وغضباً يطلق عليك رصاصته الثانية: “للأسف، كنت أحترمك”، فترفع عينيك إلى السماء، بنظرة لا يفهمها إلا خالقك، وتغمغم، أيضاً في سرك: “خذ احترامك لي ومعه خمسة دنانير وابتعد عني قبل أن أفجر موكبك”. وتحدث نفسك: “هل أنا مضطر إلى تذكيره بما كتبته ضد ناشر الجريدة؟”.
وتذهب للمشاركة في عزاء، فيوقفك رجل عليه من سمات الحكمة ما يبز لقمان: “لماذا لا تتحدث في برنامجك التلفزيوني عن تلك الإدارة التي لا توفر أماكن كافية لوقوف سيارات المراجعين… يا أخي تكسرت سياراتنا من الرصيف! وأنا أظن أن وكيل الوزارة يمتلك محلاً لتصليح السيارات” فترد عليه وأنت تنتزع ابتسامة ترد بها عليه ولك فيها مآرب أخرى: “وقد يكون الوزير شريكه. مُحتَمل”، فيجيبك بجدية سوداء: “أقسم بالله إنني لا أستبعد ذلك. هذه حكومة عصابات”، فتنتبه إلى أن الأمر لا مجال فيه للمزاح، فتعلق: “طبعاً طبعاً، كان الله في عون سياراتكم! سأرى ما يمكنني فعله”، وما يمكنك فعله هو أن تنسى السيارة وصاحبها والرصيف مسرح الجريمة… وتمضي أنت وتمضي أيامك، فيقابلك صاحبك ذو السيارة مرة أخرى ويذكّرك بنفسه وبالموضوع، فتسحب غصة ترهق بلعومك، وتعتذر بأدب “هناك مواضيع أكثر أهمية وإلحاحاً من سيارات المراجعين، منها سياسات هذه الإدارة، رغم أهمية سيارتك بالتأكيد”، تقول هذا الكلام بدلاً من أن تقول “سحقاً لك ولسيارتك”، فيرد عليك وهو يضرب كفاً بكف: “تظهر معادن الرجال في المواقف الصعبة، وأنت، يا للأسف، ظهر معدنك الحقيقي، ويبدو أن الوكيل تمكن من إسكاتك”. فتهز رأسك بابتسامة ملعونة وتسكت بعد أن تأكدت أن العرب أبناء عم اليهود.