كنا غافلين، فانطلقت صرخة استغاثة، فتلفتنا بحثاً عن مصدرها، فإذا هي من مبنى جمعية حقوق الإنسان، فهرولنا نمد يد العون. هذه باختصار حكايتنا مع جمعية حقوق الإنسان الكويتية. ولعلني لا أكشف غطاءً عن سرّ إن قلت: “لولا تصرفات رئيسها علي البغلي ما كنا التفتنا إليها من الأساس”. وعن نفسي أتحدث، كنت أتعامل مع أخبار الجمعية في الصحف كما أتعامل مع الصفحات النسائية وأخبارها التي تبدأ بجملة “سيدتي الحامل”، وأشعر أنها “حمل زائد” في الصحيفة.
كانت تلك هي البداية، أو قل الشرارة، التي جعلتني أتفقد فوهة حسابي في “تويتر” قبل أن أطلق منه الرصاصة الأولى مخاطباً الناس: “جمعية حقوق الإنسان تحتاج إلى قوات التدخل السريع فلا تخذلوها”، تلتها الرصاصة الثانية: “نريد خلع رئيس الجمعية وإضافة كلمة “السابق” بعد لقبه”، تلتها الثالثة: “الجمعية أصبحت حديقة خلفية لرئيس الحكومة فلننتزعها منه”. كانت الرصاصات الثلاث كافية لتكتظ صالة الجمعية بالشبان الراغبين في التسجيل من أجل “خلع” رئيس الجمعية. أعقب ذلك اجتماع سريع خلصنا فيه إلى نتيجة واضحة: “لن يبقى على كرسيه أكثر مما بقي. نقطة”.
لم نكن نريد تسييس الجمعية، ولم تشعّ عيناي ببريق الطمع في كرسي رئاسة الجمعية ولا حتى عضوية مجلس إدارتها، وأعلنتُ ذلك لكل من طلب مني الترشح، مستخدماً مفردات حسني مبارك: “لا أنتوي الترشح للرئاسة”، وتمنيت عليهم أن تتوجه أصواتنا، موحدة، إلى ذوي السمعة الحسنة من أبناء وبنات الجمعية، أو أي قائمة تنافس قائمة رئيس الجمعية، ليكون الفارق مؤلماً، لكن البغلي بعدما رأى هذه الأعداد من الشبان حزم حقائبه وانسحب لينجو بنفسه.
عند ذاك غلبني النعاس، وفتَرَ حماسي، فبحثتُ عن شجرة ظلها وارف كي أتوسد زندي وأنام بعيداً عن الجمعية، إلا أن اتصالاً هاتفياً أيقظني: “ألو، أنا عبدالحسين السلطان رئيس تحرير جريدة الدار، وبلغني أن (جماعة التحالف الوطني) يتواصون على ألا تفوز (قائمة الوشيحي) ولا (قائمة محمود حيدر)، والآن، ستخوض ابنتي الانتخابات فما رأيك أخي الوشيحي لو وحّدنا أصواتنا، نحن وأنتم ضد التحالف، وتقاسمنا المناصب، مع علمنا أن (قائمتك) تمتلك الأغلبية؟”، فكان جوابي: “القائمة ليست قائمتي، وإذا كان الشبان قد منحوني القرار تكرماً منهم فسأعلنها لك صريحة أننا جزماً لن نتحالف معكم، بل سنتحالف مع خصومكم، وسندعم (جماعة التحالف) كما أسميتها أنت”.
وبعد أن أحيي كل من تلقى النداء فبادر إلى التسجيل ودفع الرسوم من جيبه الخاص – أكرر، من جيبه الخاص – أذكّر بأن قائمة “مها البرجس” في حاجة إلى دعمنا كي لا تتشتت أصواتنا فتنجح قائمة تجعلنا نترحم على أيام البغلي، ونردد ما قاله الشاعر أحمد مطر: “حتى إذا انقشع الدخانُ مضى لنا، جرحٌ وحلّ محلهُ سرطانُ”.
وهاهي أسماء أعضاء القائمة التي ستخوض الانتخابات يوم غد الاثنين: “مها البرجس، عامر التميمي، عبدالمحسن مظفر، طاهر البغلي، مظفر راشد، نايف الهاجري، عبدالله الملا، جاسم دشتي، نجاة قاسم”… على أن تبقى مشارطنا مسنونة، في حال دعت إليها الحاجة، مع التأكيد على أنني سأبتعد، بعد الانتخابات هذه، عن دهاليز الجمعية، مالم يصلني صوت المنادي.