مهما ارتفعت أسوار السياسة والصفحات السياسية والمانشيتات السياسية الساخنة، لا يمكن أن تحول بيني وبين قراءة الصفحات الأدبية في الصحف، خصوصاً في هذا الجورنال. مازلت من عشاق هذا اللون من الصحافة، ومن عشاق كتابات الزملاء في قسم “ثقافات”. ويتباكى عشاق الأدب الصحافي العربي على المجد الذي كان، ويلطمون حزناً على الملاحق الأدبية التي كانت تزيّن الصحف، ويحثون الرمل على رؤوسهم بكاء على رؤساء الأقسام الأدبية في الصحف في غابر الزمان، ويندبون الحظ ويلعنونه إذ جعلهم عرباً، وزرعهم في مجتمعات لا تحب الأدب ولا الأدباء. هم لا يعلمون أن البريطانيين والأميركان تحولوا إلى “عربان” وتخلصوا، مثلنا، من الأقسام الأدبية في صحافتهم لدواعي التوفير. فقبل فترة شاهدت برنامجاً عن الصفحات الأدبية والملاحق الأدبية في الصحف العالمية العريقة، وفيه تحدث المذيع البريطاني بحزن على المجد الأدبي الذي هو على وشك الانقراض، كالوعل الإفريقي. كان يتحدث عن الصحف العريقة لا التابلويد، مثل “الفايننشال تايمز” و”ديلي ميل” و”الإندبندنت” ووو… وتقفز صحف أميركا لتزاحم صحف بريطانيا في عربة “الدول قليلة الأدب”، بعد أن تآكلت الملاحق الأدبية في أهم صحفها، ومنها “لوس أنجلس تايمز”. على أن صحف فرنسا مازالت تستر جسدها بقطع صغيرة من ملابس الأدب، وإن كانت فوق الركبة، بعد أن كانت تجرها خلفها كعرائس أوروبا في ليالي زفافهن. ورغم ارتدائها الـ”ميني جوب” فإن الصحف الفرنسية تعتبر أكثر حشمة من بقية شقيقاتها الأوروبيات اللاتي اعتدن المايوهات وحفلات التعري (في الصحافة الألمانية تفسح صفحات الأدب المجال أمام صفحات الفنون والاقتصاد والرياضة. على ذمة المذيع وبرنامجه). وصدّق أو افعل مثلي ولا تصدق، في الوقت الذي يتناقص فيه عدد الصفحات الأدبية في صحف العالم، يتزايد عدد الصفحات تلك في الصحف الصينية، باعتبار الأدب لا يجلب المتاعب ولا يقود إلى السجون، في بلد يضم شعباً من الجواسيس والمخابرات. وأن تقطع، هذه الأيام، المحيط الأطلسي سباحة على ظهرك الكريم، أسهل من أن تحقق شهرة على ظهر الأدب، بعد أن تحول الأدب إلى “رجعية وتخلف”، وقريباً قد تصبح كلمة “أديب” شتيمة يعاقب عليها قانون السب والقذف. وكان العرب قديماً يتواصون بالرفق بالقوارير (الصبايا)، وسيتواصون قريباً بالرفق بالأدباء وعشاق الأدب.