كلما دعيت إلى ديوانية بثثت سمومي فيها، أجارنا وأجاركم الله. أحد سمومي: “الشجاعة… سر تفوق دبي، إضافة إلى بقية الأسرار المكشوفة”. وكما أن لعَمنا “ريختر” مقياساً للزلازل، كذلك لأخيكم “الكاتبجي” الوشيحي مقياس للمصطلحات… مصطلحات المسؤولين. فيا أيها المسلمون، ويا أيها العربان، إذا سمعتم مسؤولاً يقول: “إن البلد، أو إن الوطن العربي… يمر بمنعطف حرج”، فاعرفوا يقيناً أن هذا المسؤول يشعر بالنعاس وفي حاجة مسيسة إلى النوم. وإذا قرأتم تصريحاً لمسؤول دبلوماسي، وزير خارجية أو سفير، يقول فيه: “إن البلدين يرتبطان بعلاقات متينة”، فاعرفوا أنه “غلبان وعاوز يعيش”. ومقياس آخر: “كل من يستخدم (إن) في بداية حديثه هو مشروع غبي أو جبان أو كليهما”. والمسؤولون العربان، أو بعضهم، ينفقون “إن” ببذخ في كلماتهم وتصريحاتهم. ويجتمع القياديون العرب في مؤتمراتهم، تحيط بكل منهم كتيبة من الحشم تجيد التبسّم تحت الصفعات، وجوه أفرادها بلا ملامح، يسمعون عن “عَرَق الحياء” ويقرأون عنه في الروايات لا أكثر… وبعد الفلاشات والتحايا الشهباء تبدأ الاجتماعات، فيتزاحمون حول بئر “إن” يغرفون منها ما ثقل وزنه وقل ثمنه، قبل أن تتجه أعينهم إلى ساعات أيديهم في انتظار “الإفراج” وانتهاء الاجتماع. ويخرجون من اجتماعهم فيحدثونك بانبهار عن مستوى أجنحة الضيافة وديكورات القاعة وأنواع الكراسي وألوانها، وآه على ألوان الكراسي التي جاءت من كل فج عميق، يحمل كل منها عداء لبقية الألوان. ويتحدث رئيس الاجتماع في مؤتمره الصحافي: “إن الوطن يمر في…، وإن العلاقات متينة…، وإن الشعوب…، وإن العيون التي في طرفها حورٌ”، فتردد الشعوب: “أيتها العير إنكم لسارقون”. ويتداعى الأوروبيون لاجتماع، فيتوافد المسؤولون يحمل كل منهم حقيبته بنفسه، ويدخل القاعة مكشوف الظهر، لا ميمنة له ولا ميسرة، ويجلس على كرسي كالذي في مكاتب الموظفين، ويبدأ الاجتماع، فتبحث عن “إن” في القاعة، فيرتد إليك البصر خاسئاً وهو حسير، وتجول ببصرك في سقف القاعة وجدرانها، فلا ترى إلا لوحة فنية هناك، وقطعة أثرية هنا، وعلاقات ود وإخاء بين الألوان. كنا نشاهد اجتماعاتنا واجتماعاتهم فنتمتم: “اللهم، لقد أهلكتنا (إن) فأرسل إليها من لا يخافها ولا يرحمها”… وجاءت دبي إلى اجتماع الخليجيين، وجاء ضاحي خلفان المسؤول الأمني الأول فيها، يحمل حقيبته بنفسه، فوقف أمام شاشة العرض، وشرع يشرح ويتحدث عن “مهددات الأمن الخليجي”، بعد أن أطلق رصاصة على “إن” فأصابها، عن عمد، في رجلها، فهربت من القاعة “تصوي” وتحجل. وتحدث ضاحي وتحدث وتحدث، مستعيناً بأحرف الصدق الحادة، يفتح بها الجروح ويريق دماءها الفاسدة، فجفّت أرياق متابعيه في القاعة وخارجها، وتنافست العيون والأفواه على الاتساع دهشة وذهولاً، وصفقت الشعوب الخليجية العطشى وقوفاً لصراحة أحد قيادييها وشجاعته. وآه يا صحراء الجزيرة العربية، كم كنتِ ظمآنة لصدق المسؤولين، بعد سنين وعقود من سطوة “إن” التي جففت أرضكِ وأماتت زرعكِ. ويا أخوات “إن” ثأركن في دبي عند ضاحي، إن امتلكتن الشجاعة وأردتن الانتقام لأختكن الكبرى.