هل سبق لي القول إن الكويت ليست إلا قطعة من مصر اقتطعتها الجغرافيا ورمتها في قارة أخرى؟ الجواب نعم، كتبت ذلك قبل نحو سنة في صحافة مصر، وقلت إننا لو ضربنا الكويت في رقم ستة لكان الناتج مصر. كان هذا قبل الثورة المصرية، وكنت أعتقد أن المعادلة الحسابية هذه انتهت وانتفت بنجاح الثورة، لكنني اليوم تأكدت أنها – المعادلة – مستمرة إلى إشعار آخر، فها هي غالبية وسائل الإعلام المصرية تطلق نيرانها على “المؤزم الأكبر” محمد البرادعي، وتمتدح عمرو موسى حامل شعار “من حيث المبدأ” في مصر (قارن هنا بين الحالتين المصرية والكويتية). أقول هذا بعد أن أعلن البرادعي انسحابه من سباق الرئاسة في مصر قبل بدئه (تقرر مساء أمس الأول الأحد، أي بعد إعلان البرادعي انسحابه، فتح باب الترشح لانتخابات الرئاسة في منتصف أبريل المقبل). والبرادعي، كما سبق لي أن وصفته، من النبلاء لا المحاربين، والفرق فارق، والبون بائن، بين النبيل والمحارب. فإذا كانت النظافة الأخلاقية الشاملة والسمو الإنساني من أهم صفات النبيل، فإن القدرة على تحمل الأهوال، والغوص في معمعانها* والصبر على بلائها، من أهم الصفات التي يُشترط توفرها في المحارب، ويمكن أن يفتقدها النبيل دون أن تنزع عنه نُبله، وهو ما ينطبق على شخص البرادعي. على أنه يمكن الجمع بين الصفتين، النبل والروح الحربية، كما في الزعيم الكويتي أحمد السعدون. ولأن مصر في عهد مبارك كانت “اللاعب الذي لا يلعب”، الذي اقتصر دوره على التوقيع على صور المعجبين والجلوس على دكة الاحتياط حتى تورمت أوراكه، رغم مهاراته الفائقة وبنيانه الجسدي المهيب وحاجة الفريق إليه، فقد سمح هذا لموسى بمداعبة الكرة على رأسه وكتفه، في غياب المحترفين، وبالتالي الاستحواذ على إعجاب جماهير الدرجة الثالثة، من قبيلة “شعبولا العظيم”، الذين تبهرهم “ترقيصة” على الكتف أكثر من تطبيق الخطة، في الوقت الذي كان يتنقل فيه البرادعي بين أندية أبطال أوروبا، وينافس على البطولات العالمية. لكنّ مؤيدي موسى هم الأكثرية، فبضحكة مجلجلة من موسى، يؤديها بطريقة محبوكة بحيث تبدو طبيعية، مع البسطاء من قاطني تلك القرية يستطيع أن يضمن أصواتهم إلى يوم الدين، أما إذا وعدهم بزيادة دعم الرغيف فسيضمن “استذباحهم” دفاعاً عنه، وهو ما استطاع فعله حتى اللحظة. أما البرادعي فقد راح يتحدث عن وجوب ربط الإيرادات بالإنفاق، وضرورة التركيز على البحث العلمي، والنهوض بالوعي المجتمعي، والقيمة المضافة، ووو، وهو ما ترجمه البعض للبسطاء من قاطني تلك القرية بأن “البرادعي بيشتمكم”، فردوا عليه الشتيمة بمثلها، أو بأحسن منها. ويا الله على مصر التي خطفها القرصان، ثم بعد ثلاثين سنة تخلّصت من أغلالها وقفزت من مركبه إلى عرض البحر خلسة في الليل، وراحت تعوم وتعوم وتعوم، ثم فجأة، لا أحد يعرف كيف كانت تلك الفجأة، وجدَت مركباً، فتعلقت به، فإذا هو مركب القرصان نفسه الذي كانت قد هربت منه. سلامات يا مصر، نقولها لك مقدماً، ونقولها لأنفسنا… فكما تؤثر نتيجة انتخابات الرئاسة في أميركا على كوكب الأرض، فإن نتيجة انتخابات الرئاسة في مصر تؤثر على كوكب العرب، تحديداً، وعدد من الكيلومترات المحيطة به. وهو ما دعاني إلى كتابة ما كتبت، ودعاكَ إلى قراءة ما قرأت. وغداً، إذا نجح عمرو موسى أو أيّ من “العمروات” المشابهين له، سأدعوك إلى حفلة بكاء عامة. والله الموفق. * * * * معمعانها: كلمة راقصة استخدمها محمد حسنين هيكل، الصحافي الذي يحمل كميات هائلة من الحرفنة والإمتاع في الصياغة والعرض، رغم مآخذ الآخرين على صدقيته.