إحدى مشاكل كتلة العمل الوطني هي “ساعة يدها”، دائماً متأخرة، وهي ليست سويسرية بالتأكيد، مع أن “كتلة الوطني” الأقرب إلى سويسرا. هي تصل (أقصد الساعة، والكتلة أيضاً)، لكن متأخرة. فالساعة العاشرة بتوقيت الحياة السياسية في الكويت توافق الساعة السابعة بتوقيت كتلة الوطني. الفرق ثلاث ساعات.
ونقول في لهجتنا “شربت مروقها”، وهو مثلٌ يعني أن “الذبيحة شبعت موتاً وهي الآن في المراحل النهائية من الطبخ”، أي أن القصة انتهت، وكتلة “الوطني” تأتي دائماً في المراحل النهائية للطبخ لتطرح رأيها في نوعية الذبيحة التي يجب اختيارها… خلاص، شربت مروقها يا الربع! وبعد أن ينفضّ المصلون من المسجد، بعد أن أدوا الفريضة والسنة، تأتي “الوطني” لتؤذن من جديد للصلاة، فيسارع الناس إلى تفقد التوقيت في ساعات أيديهم، قبل أن يضربوا كفاً بكف دهشة.
ويقول شاعر معركة الصريف، ماضي بن مفرج، وهو من الكنادر من العوازم: “كل شيٍّ (ن) طراته على حله… بدّلوا سير الأنضا بدرهامي”، يستحث أصحابه على الاستعجال فيقول “لذة الشيء أن يأتي في توقيته” ويطلب من أصحابه أن يستحثوا إبلهم “الأنضا” لتركض بدلاً من أن تسير على مهل. و”الدرهام” هو: جري الإبل.
وتطلب من “الوطني” تحديد موقفهم، فيجيبك أحدهم: “نحن نتلمس نبض شارعنا”، فتتلمس أنت معهم نبض شارعهم، وتقيس درجة حرارته، فإذا هو فرن يغلي غضباً على الحكومة، ودرجة حرارته تفوق بكثير درجة حرارة “الوطني”، فتتمتم: “إذا كانت ساعة يد (الوطني) متأخرة، وترمومتر (الوطني) غير دقيق، فالعلة إذاً في الأجهزة والمعدات”.
وتبدأ المعركة بين الحكومة والمعارضة، ويتكرر المشهد في صفوف “الوطني”… النائب صالح الملا، عضو “الوطني” وفارسها، يرفع بيرق الحرب على الحكومة، ويتقدم الصفوف، فترتفع إلى جانبه بيارق بيضاء، فيتوقف ليقنع زملاءه “القادة” بضرورة الحرب، ويتقدم مرة أخرى، فترتفع البيارق البيضاء من جديد، وهكذا، كل هذا والمعركة تدور بضراوة أمام أعين “الوطني”، والقتلى يتساقطون والجرحى يتكدسون كالتلال، والقوانين تتساقط كأوراق الشجر في الخريف، ونيران الفساد تنتشر وتلتهم مساحات أكبر، ووو…
وبعد أن ينصرف الجمعان تظهر بيارق “الوطني” من خلف الجبل، فإذا صالح الملا منهك بعد أن استنزف أنصاره كل لياقته التي صرفها على إقناعهم… وترتب “الوطني” صفوفها، وتقرع طبولها إيذاناً ببدء الحرب، فيمتشق النائب مرزوق الغانم سهماً من كنانته، ويضعه في القوس، ويطلق صرخته: “لا حييت إن حييتِ يا حكومة الفساد”، ويطلق سهمه، فإذا هو في كبد المعارضة، فينبهه زملاؤه: “هنا هنا يا أبا علي، في هذا الاتجاه لا ذاك”، فيطلق صرخة أخرى، ويمتشق سهماً آخر ويطلقه فإذا هو في عين المعارضة… وبعد أربعة سهام تنطلق من قوس مرزوق لتصيب المعارضة في مقتل، يطلق سهمه الخامس إلى قدم الحكومة، فيصرخ أنصاره: “سدد الله رميك”، وتتشتت المعارضة بين جبهتين، جبهة الحكومة وجبهة مرزوق الغانم.
ويتكرر المشهد، ويتبين للناس أن مرزوق الغانم، يحتاج، إضافة إلى صيانة ساعة يده وترمومتره، إلى صيانة بوصلته.