محمد الوشيحي

الرويشد وعبدالحسين والفرج… والبرتقال

الله على فناني فرنسا في الماضي، عندما تصدروا المظاهرات المطالبة بالانسحاب من الجزائر ومنحها استقلالها، الله عليهم عندما اتُّهموا بالتخوين وحوربوا في أرزاقهم ولم يتراجعوا عن صيحاتهم ومنشوراتهم: «احتلال الجزائر سطو مسلح تقوم به دولة تدعي التمدن»، «الفرنسيون ليسوا شعباً من اللصوص ولا مجاميع من العجزة كي ينهبوا خيرات الشعوب الضعيفة»، «بدلاً من استعباد العرب والأفارقة وإذلالهم، لماذا لا ترفع فرنسا مستواهم الثقافي وتنشر بينهم العلمانية وتوضح لهم حقوقهم وطريقة تطوير بلدهم؟»، وغير ذلك من مطالباتهم المرفوضة شعبياً قبل أن تكون مرفوضة رسمياً.
خلت المسارح الفرنسية، آنذاك، من الفنانين الأحرار بعد أن رفضتهم الجماهير، وخلا الفضاء للفنانين المرتزقة والنص كم، وجماعة «غير ديغول ما نبي»…
وقبل ذا برز الأديب العظيم «سارتر»، جان بول سارتر، وارتفع صوته عالياً مطالباً بالحرية للجزائريين، فهوجمت شقته من الدهماء والغوغاء، فهرب، فأحرقوا شقته وتركوها رماداً، وتكرر الأمر وأُحرِقت شقته للمرة الثانية، ولم يتوقف، بل كتب مهاجماً الجيش الفرنسي وفظاعاته في الجزائر، فحوكم عسكرياً وتقرر سجنه لولا تدخل ديغول، واستمر بمطالباته إلى أن استقلت الجزائر.
وفي مصر، تسابق الفنانون الأحرار لدعم ثورة الشعب، فبرز خالد الصاوي وعمرو واكد ومحمد منير وآخرون، وتهاوى المرتزقة عشاق دفء القصور الرئاسية، عادل إمام وتامر حسني وإلهام شاهين (هذه الممثلة تحديداً خير من يلتصق بالجدران الدافئة) وطلعت زكريا وغادة عبدالرازق وغيرهم.
وفي سورية، ارتفع احتجاج أميرة الفن العربي الممثلة كندة علوش ضد ما يتعرض له أحرار سورية، وساندتها المطربة أصالة من خارج البلد، وغنى المطرب إبراهيم قاشوش للثورة فانتُزعت حنجرته ونُكّل به بعد قتله، وساندهم قلة من الفنانين، في حين التصق دريد لحام بجدران القصور الرئاسية، متلذذاً بمذاق الدم السوري، وطأطأ «قبضايات الحارة» وبركوا على ركبهم ذلاً ومهانة وكالوا المديح للنظام وتمنوا له الدوام، فـ«لا إله – لهم – إلا بشار»…
وفي الكويت، حيث لا ثورة على النظام بل على الحكومة، يصمت كبار الممثلين عبدالحسين عبدالرضا وسعد الفرج وسعاد عبدالله وحياة الفهد، ويهزون أكتاف اللامبالاة، بل يقف أشهرهم عبدالحسين عبدالرضا في صف الحكومة، ويطالب بأن تتشكل الحكومة من ستة عشر وزيراً من الأسرة الحاكمة فقط، ويختفي سعد الفرج في زحام السوق، ويستمر طارق العلي في السخرية من «خشمك اللي يشبه دعامية نيسان» و«صلعتك اللي تكسر الليت» وتقهقه الجماهير ويقهقه الفساد! وتغرق حياة الفهد وسعاد عبدالله في التنافس على فضائيات «إم بي سي» و«دبي»، وتتفرغان لموسم الحصاد، شهر رمضان، وتصمتان عن الفساد الذي أغرق الكويت، وتغرقاننا بدموعهما، وكأن الغرق هو ما ينقصنا.
وتتلثم رابطة الأدباء كي لا يعرفها أحد، وتغلق الباب على نفسها، ويستمر عبدالله الرويشد يترنم بأغنياته الغزلية، ويتلذذ بعصير البرتقال، وكأن عنزاً لم تعطس، ووو…
حتى الرسامون والفنانون التشكيليون يشاهدون الكويت تُرسم بأيدٍ مرتجفة وبألوان باهتة، وتبلع ريقها وتستجدي قطرة ماء «فيعملوا نفسهم نائمين».
يا سيدي، أنا لا أطالب الفنانين والأدباء والرسامين بالوقوف في صفوف المعارضة ورفض الفساد، ولا أجبرهم على الصلاة في اتجاه قبلتي، بل على الأقل أريد أن أعرف موقف كل فنان مما يحدث في الكويت.
أقول ذلك، وأنا لا أنكر محبتي لصوت الرويشد ولا إعجابي بأداء الفرج وعبدالحسين وحياة وسعاد، بل وطارق أيضاً… ولن أتجنّى لو قلت إن فناني الكويت، بشكل عام، أقرب إلى مبنى رئاسة الوزراء من ساحة الإرادة، فسحقاً لهذا الزمن.

آخر مقالات الكاتب:

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *