محمد الوشيحي

العشاء أيها القنديل

تلك منازلهم وتلك رسومهم…
كنت قد تطرقت في مقالة سابقة إلى ما فعله عبدالناصر في بعض الأدباء، ومنهم إحسان عبدالقدوس، فكتب الأديب العربي فؤاد قنديل مقالة تدافع عن عبدالناصر وتنكر عليّ، مختصرها: «قل هاتوا برهانكم»، فاتصلت بمحمد إحسان عبدالقدوس أسأله فأجابني: «نعم، عبدالناصر هو من سجن والدي لا مجلس قيادة الثورة، وكان ذلك في عام 1954»… إذاً هذه واحدة يا قنديلنا الذي ينكر أن عبدالناصر دكتاتور تعسف مع الأدباء.
ثم استنجدت بمقاتلي «تويتر» ليعينوني في بحثي عن رسالة عبدالقدوس إلى عبدالناصر، التي لا أتذكر أين قرأتها، فدلوني على الرسالة الكنز، فوضعت الحبل في عنقها والقيد في يديها وأتيت بها هنا، لعلها تكون قنديلاً لقنديلنا فؤاد وبقية عشاق عبدالناصر. على أن أضع كلام عبدالقدوس بين مزدوجين، وأضع هلالين وبينهما نقاطاً – هكذا (…) – للجمل التي لا تعني موضوعنا، أما ما سأكتبه بين هلالين فهو تعليقي. وهاكم بعض ما كتبه إحسان في شرحه لرسالته:
«… لأن الثورة كانت تخطو خطوات ناجحة قوية وكان عبدالناصر في أزهى انتصاراته بعد تأميم القناة وفشل العدوان الثلاثي، حتى أصبح الكثيرون منا يعطونه الحق في كل شيء حتى في فرض الرقابة العنيفة (يقصد الرقابة على الصحف بحسب ما ساقه في الفقرات التي سبقت هذه)… إن النجاح يبرر كل الأخطاء».
وتعالوا نكمل القراءة: «وأصبحت آراؤه الخاصة (يتحدث عن عبدالناصر) في ما ينشر في روز اليوسف تصلني إما عن طريق الرقابة وإما عن طريق أصدقاء مشتركين»… لاحظ كلمتي «رقابة وآراؤه الخاصة»، ونكمل: «وعندما تعمدت إهمال السياسة والتفرغ للأدب لم أسلم من تزمت عبدالناصر»! هل قال «تزمت»؟… ثم تحدث عن أن عبدالناصر أراد منه أن يستبدل جملة «تصبحوا على حب» التي كان يختم بها برنامجه الإذاعي إلى «تصبحوا على محبة»، ويعلق إحسان: «فتوقفت أيامها عن حديث الإذاعة وإلى اليوم»… بالله عليكم كيف يكون التدخل إذا لم يكن هذا تدخلاً؟
وخذوا هذه الفقرة التي اقتطعتها من رسالته للزعيم: «أبلغني صديقي الأستاذ هيكل رأي سيادتكم في مجموعة القصص التي نشرتها أخيراً بعنوان «البنات والصيف»، وقد سبق أن أبلغني نفس الرأي السيد حسن صبري مدير الرقابة واتفقت معه على تعديل الاتجاه الذي تسير فيه قصصي»… سأعيد كتابة الفقرة «اتفقت معه على تعديل الاتجاه الذي تسير فيه قصصي».
وتفضلوا وتفضل يا قنديلنا ما كتبه القنديل الأكبر إحسان عبدالقدوس في رسالته تلك دفاعاً عن نفسه: «يبقى بعد هذا ما حدثني به الزميل هيكل عن دعوة الإلحاد في صحف روز اليوسف والمقالات التي ينشرها مصطفى محمود… وقد أوقفتُ نشر مقالات مصطفى محمود الخاصة ببحث فلسفة الدين (طبعاً بناء على ضغوط من عبدالناصر) ولكنني أحب أن أرفع إلى سيادتكم رأيي في هذا الموضوع (…) إني مؤمن بالله يا سيدي (كتب هذا بعد أن بيّن أنه كان متهماً بالجنس والإلحاد)… لست ملحداً… ولعلك لا تعرف أني أصلي… ولا أصلي تظاهراً ولا نفاقاً، فإن جميع مظاهر حياتي لا تدل على أني أصلي… ولكني أصلي لأني أشعر بارتياح نفسي عندما أصلي، ورغم ذلك فإني أعتقد أن ديننا قد طغت عليه كثير من الخزعبلات والأتربة والتفسيرات السخيفة، التي يقصد بها رجال الدين إبقاء الناس في ظلام عقلي، حتى يسهل عليهم استغلالهم والسيطرة عليهم».
ويعلق إحسان على رسالته التي لا يتذكر هل بعثها إلى الزعيم أم لا: «هذه هي الرسالة التي كتبتها عام 55 لجمال عبدالناصر، وبين كلماتها ما يعبر عن مدى ثقتنا به وحبنا له في هذه الفترة (…) قبل أن تبدأ فترة الستينيات (…) التي أخذت منا كثيراً من الحب الذي كان يجمعنا بعدالناصر».
تلك منازلهم وتلك رسومهم أيها القنديل، لم نزيفها، وما حدث لعبدالقدوس ينسحب على غيره بالطبع ويؤكد تسلط «الزعيم». هذا بخلاف ما فعله مدير مخابرات عبدالناصر «صلاح نصر» في أهل الفن… أقول قولي هذا وأنا أنتظر رد أستاذي القنديل أو دعوته على العشاء البحري – كما نص الرهان – وهو يرفع راية بيضاء فاقعاً لونها تسر الناظرين، بعد أن ثبتت رؤية الهلال. وعهد ووعد بأن أتناول العشاء والرسالة في جيبي، وإذا أراد قنديلنا نسخة من الرسالة فستصله قبل أن يرتد إليه طرفه.
واللهم اسقِ قبور الأدباء القناديل، وارمِ عروش الطغاة بالطير الأبابيل… آمين.

آخر مقالات الكاتب:

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *