محمد الوشيحي

مش ممكن

هو حلم أجمل من علم… الله الله الله على ما يحدث في مصر الحرة. الله على مصر وعلى أهلها… أنا الذي لا يبكيني إلا الشديد القوي، لم تتوقف دموع فرحي لهول المشهد الذي رأيته أمامي أمس، يبدو أن وجهي صلّى صلاة استسقاء فاستُجيب له. وخلوني أنقل إليكم بعض اللقطات والمقولات التي استقيتها من التلفزيونات المصرية ومواقع التواصل والصحف الإلكترونية والخدمات الإخبارية والمكالمات الهاتفية…
لكن قبل ذلك سأعتذر إلى الزميل الصديق سامي النصف، «سرايا» الكويت (نسبة إلى أسامة سرايا رئيس تحرير جريدة الأهرام المصرية إبان مصر المباركية، صاحب الحجة القوية الموجهة لخدمة النظام)… الذي (أقصد سامي النصف) أطلق قذائفه الخارقة الحارقة في بداية الثورة نصرة لمبارك وابنه جمال وبقية العصابة بحجة الدفاع عن «الاستقرار»، والذي كما يبدو أنه كان سعيداً بما كانت عليه مصر وكان يبوس إيده بحري وقبلي، والذي «يرى بعوضة» المعارضة ولا يرى «فيل النظام».
ولولا «التثقيل» على أبي عبداللطيف، سامي النصف، لقلت إنه ومن شابهه من المثقفين والكتاب أحد أسباب نقل الأحداث بصور مغلوطة إلى ذوي القرار، وبالتالي هم من أكبر أسباب بقائنا في خانة الدول المتخلفة. وأبو عبداللطيف يحمل في جعبته تبريرات لا حصر لها ولا خصر لبلاوي الأنظمة العربية ومساوئها، ومع ذا لا يمكن أن ننكر رقيّ أسلوبه وأدب مفردته… أقول دعوني أعتذر إليه بعد أن تكسرت أمانيّه وأمانيّ عصابة الوطني على «رخام» الثورة الصلب، وأنقل إليكم بعض اللقطات المبعثرة:
من هذه اللقطات المؤثرة، قيل إن شيخاً طاعناً في السن أثناء وقوفه في الطابور للتصويت بـ«نعم» أو «لا» على تعديلات الدستور، رفع يديه وبصره إلى السماء، وقال بصوت عال مترهل وهو يكافح العبرات في بلعومه: «يا رب، انت بتعرف إن دي أول مرة في حياتي اخرج عشان أصوّت في الانتخابات، وتعرف إني عيّان وظروفي متسمحليش أتحرك خطوتين، وأديني جيت، فيا رب بارك في مصر وأهل مصر وانتقم لينا من العصابة اللي ذلتنا وهانتنا وكسرت نفسنا طول السنين دي كلها». فردد الواقفون في الطابور: «آمين… آمين… آمين».
وأمام لجنة أخرى يصرخ صعيدي شهم وهو ينظر إلى إصبعه المغموس في الحبر الفوسفوري ويخاطبه بكل ما أوتي من نشوة: «عليّ الطلاق تلاتا منيش غاسلك». وهناك امرأة يبدو من هيئتها أن حظها من التعليم مثل حظنا من حكوماتنا، تخرج من إحدى لجان التصويت فتقبّل إصبعها «الفوسفوري» وتستجدي النسوة الواقفات في الطابور: «أنا في حلم والا علم؟ حدّ يقرصني ف إيدي». وفي وسط القاهرة يتحلق الشبان في دائرة وهم يرقصون ويغنون: «مصر بقى لونها بمبي» فترد عليهم مجموعة أخرى من الشبان: «لأه بقى لونها فوشيا». ويقول أحدهم وهو واقف في الطابور: «أول مرة في حياتي أحس إني بني آدم وليّه قيمة». ويغني آخر «صباعي فسفوري وهاغيّر دستوري».
وفي لجنة أخرى يفاجَأ الواقفون في الطابور بالدكتور عصام شرف رئيس الوزراء «يستأذنهم» بالسماح له بالتصويت قبلهم لارتباطاته المتعددة، فـ»يأذنون» له. (هل لاحظت كلمتي «يستأذنهم» و»يأذنون له»؟ وهل كنت تعرف كيف كان رؤساء الوزارات في مصر المباركية يصوّتون؟ كويس أنك لاحظت والأكوس أنك تعرف ما الذي كان يحدث في الأيام الخوالي وتتذكر حكاية السجاد الأحمر وكسرى وقيصر). وإذا كان عصام شرف مشغولاً ويستحق أن يتجاوز الطابور، فإن مرشح الرئاسة السيد عمرو موسى عاطل عن العمل، لأنه يرأس جهازاً عاطلاً عن العمل والأمل، هو «جامعة الحكام العرب»، لذا فقد التزم بالطابور رغم أن الناس سمحت له بالتقدم عليها، لكنه رفض.
والملاحظ هو نسبة الالتزام العالية باحترام الطابور، والأدب في الاختلاف… هذه هي مصر الحقيقية لا مصر المزوَّرة، التي شوه وجهها وزوّر بطاقتها مرتزقة الإعلام المصري وأوحوا بأنها لم «تشب عن الطوق» بعد ولا تستحق الديمقراطية الكاملة. وهؤلاء هم المصريون ينزعون ثقافة الرعب ويرتدون ثقافة الانتصار. النظام المباركي هو من فرض تلك الثقافة، وهو من جعل الأراذل في الصدارة، ومنذ اللحظة لن ينجح «نواب الخدمات» ولا «نواب الرشاوى» ولا المتردية ولا النطيحة، إلا في أضيق الحدود.
هذه هي مصر… المحروسة بإذن الله، وعقبالنا وعقبال الحبايب، وأموت وأشوف وجه حسني مبارك وهو يرى الملايين ترقص في الطوابير… واللهم لا شماتة. 

كتاب الجريدة يردون على تعليقات القراء

يمكنك متابعة الكاتب عبر الـ RSS عن طريق الرابط على الجانب الايمن أعلى المقالات السابقة

آخر مقالات الكاتب:

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *