بسبب عمايل حكومتنا، يولد أطفالنا مشوهين فكرياً وخلقياً، يولد الطفل وله «سكسوكة» ويسأل عن أول مربوط في الراتب وأقرب موعد للتقاعد، يولد فيسأل عن فواتير الكهرباء متى ستُلغى، يولد وهو يبحث عن واسطة تتكفل به من المهد إلى اللحد، من تغيير الحفاظة إلى الزواج من نائبة تقوم بتعيينه في منصب حكومي. ومادامت الحكومة تقر الكوادر والزيادات والعطايا، من أموال الشعب (كما يقول المثل: خذ من كيسه وعايده) فهي ليست مطالبة بالقيام بأي عمل آخر، كما يرى هذا الطفل المشوه.
والكويت بناية سكنية خربة، ولو كنتُ المسؤول لاستأجرت جزيرة في المحيط الهادئ، ولنقلت كل مَن على هذه الأرض إليها، وتعاقدت مع شركات تنظيف متعددة، واحدة لقتل الجرذان والقوارض التي ملأت البناية، وثانية لجلي الرخام، وثالثة للصبغ (الطلاء)، ورابعة للتعقيم بالديتول الأصلي، وخامسة لغسل السجاد والكنب والمفروشات وسادسة وسابعة وثامنة…
الكويت بحاجة إلى الدعك الشديد بالصابون حتى تصل الرغوة إلى عنان السماء، الكويت بحاجة إلى أقرب «حمّام مغربي» أو «حمام قبازرد» يتولى تفريكها فيه إيراني «متعافي»، يسمع عن الرحمة ولم يشاهدها.
أشر بإصبعك الكريمة إلى وزارة، أو هيئة مستقلة، وقل لي: هذه الجهة ليست فاسدة، وأراهنك على أن الجهات الصالحة أقل من أصابع اليد الواحدة في أحسن الأحوال والأجواء… وبمناسبة الأجواء، هل تعلم أن هذا الغبار الذي كدّس مرضى الربو في المستشفيات، وأنهك صدور الأطفال، هل تعلم أن علاجه لا يحتاج إلا إلى زراعة بقعتين أرضيتين صغيرتين في شمال غرب البلاد؟ إذ يقول المختصون: «كل الغبار في الكويت مصدره هاتان البقعتان، فإذا تمت زراعتهما بمصدات الرياح… (غدى الشر)»، ومع سهولة الأمر إلا أن شجرة واحدة لم تزرع هناك. بل ويقال إن زراعة طريق المطار التي تمت قبل سنوات، كانت برغبة من صاحب السمو الأمير لا بمبادرة من هيئة الزراعة، التي أمّن رئيسها نفسه و»كسب ود» النواب والصحافيين، فنام.
سيداتي سادتي، التغيير الوزاري ليس إلا منشفة مبللة، تمسح الجزء الظاهر من الوسخ وتترك الجراثيم المزدحمة تحت السجاد وفي المطابخ والغرف (تعريف الجرثومة في قاموسي: هي كل لص يسرق ويفسد في بلده).
الكويت في حالة بهدلة بسبب هذه الحكومة «الرفلة»، وهذا البرلمان الذي لا نعرف أباه، ولن ينقذها إلا نسف الوزارة بمن فيها، وحلّ البرلمان، وتعديل الدستور إلى مزيد من الحريات والمكتسبات الشعبية، وتقليص يد الحكومة الطولى في البرلمان وانتخاباته ولجانه، وتغيير النهج الحكومي، لتأتي حكومة جديدة منتخبة، تعيد بناء الإنسان، وتعيد تشكيل الثقافة من جديد، وتغربل الجهاز الحكومي الفاسد، وتقدم خطة جديدة واقعية بدلاً من خطة أحمد الفهد التي هي كالمكياج الفاقع على وجه الممثلة «إنعام سالوسة».
***
في مصر… تقدمت مجموعة كبيرة من القضاة بشكوى ضد وزير العدل في عهد مبارك يتهمونه بتلقي الرشاوى والتدخل في القضايا لصالح المسؤولين والمتنفذين، وتنوي مجموعة من رجال القانون في تونس التقدم بطلب إعادة فتح القضايا المشبوهة التي حصل فيها المتنفذون، سابقاً، على أحكام بالبراءة، على أن يتم التشهير بالقضاة الذين تولوا تلك القضايا، إذا أدينوا، بتهم «الفساد والإفساد»، وهي تهم تقود إلى حبل المشنقة بعد تجريد المدان من ممتلكاته.
وأرى أنا أن «الدولة التي يحكمها قضاء غير مستقل هي دولة مزورَة هشة العظام سريعة التحطم».