ستنتهي سنة 2016 بعد 3 أيام. وعادة ينغمس الناس بالتمني، والبحث في الأبراج، ويتوقع المتوقعون أحداثاً وتغيرات، بعضها يصيب وبعضها يخيب، هكذا طبيعة الأشياء.
إلا أن السنة المقبلة 2017 ، قد تبدو فيها ملامح وعناوين حقبة جديدة من التاريخ البشري.
في أواخر ثمانينيات القرن الماضي، وبعد “تفلش” الاتحاد السوفياتي وخروج 15 دولة جديدة من كيانه، وانتهاء الحرب الباردة، توقع المتوقعون الاستراتيجيون دخول البشرية حقبة جديدة، وانتهاء نظام القطبية الثنائية، وظهور نظام دولي جديد، أحادي القطبية، تقوده الولايات المتحدة. جاء الاختبار الأول سريعاً في “عاصفة الصحراء”، أو حرب تحرير الكويت في 1991 . كان أحد ملامح ذلك النظام الجديد ما سُمي حينها “التدخل الإنساني”، وأن تكون القوة في خدمة الحق، إلا أن ذلك لم يدم طويلاً، وتعثر ذلك النظام الدولي الموعود، في عملية “إعادة الأمل” بالصومال في 1994 . ومنذ ذلك الحين جرت مياه كثيرة تحت الجسر. ولكن المؤكد، أن ما بُشر به على أنه نظام دولي جديد لم يكن إلا سراباً، إذ تم استبدال الاتحاد السوفياتي، بالحرب الكونية على الإرهاب، ومازلنا غارقين فيها حتى اللحظة، وربما تكون النتائج المأساوية التي تدور في العالم نتاجاً لذلك الغرق، وجاء بُعده الرمزي بغرق مئات الألوف من البشر في المحيطات، هرباً ولجوءاً من نيران الحروب العبثية، الكارهة للبشر، التي هي نتيجة أكثر منها سبباً.
مجمل إحصائيات اللحظة الحاسمة تدفع باتجاه حنين للماضي، وتعزيز النزعة القومية، وخروج الزعماء الشعبويين للساحات السياسية، وخصوصاً في المنظومة الغربية، الضابطة للتوازن العالمي.
ما نشهده اليوم، في الغرب، هو اتجاه نحو مزيد من التطرف، والانغلاق، ورفض الآخر، وبناء الجدران لمنع دخول المهاجرين. الأرجح، مثلاً، أن دونالد ترامب لن ينجح في بناء سوره على حدود المكسيك بطول 2000 ميل، إلا أن الأهم من الجانب اللوجستي والإنشائي لمشاريع كهذه هو أنها مؤشرات لما هو قادم، فإن كان الغرب الاستعماري يفكر بالانغلاق والانكفاء داخلياً، فعن أي عالم مفتوح نتحدث؟ والأكثر أهمية هو الذهنية التي تحرك مثل تلك المشاريع، وهي ذهنية إن استمرت في التكاثر، فإننا سنكون مقبلين على مزيد من التدمير والتفكيك والتهميش للجنس البشري. ومع أنني أظن أن خلق نظام دولي قائم على تلك المعطيات سيلاقي فشلاً ذريعاً، إلا أن الكثير من الغرق والدماء والحزن والألم لملايين البشر، قد يعيد العالم إلى شيء من التوازن وتلمس رؤية تخرج البشرية من الضياع.
الإشكالية هي أن الجنس البشري هو المخلوق الوحيد الذي يبيد ذاته، وفي أحيان كثيرة بلا سبب.