الكتابة هي نوع من إبراء الذمة، ومن التنبيه، كما أنها طريقة للتنفيس عما يدور في البال، وما يعتلج في النفس من أفكار.
حذّرنا كثيراً، كما حذّر المئات غيرنا، من التساهل مع التطرف الديني. كما طالبت كثيراً بتغليب دراسة المواد العلمية، في المناهج الدراسية، على المواد النظرية، ومنها الدين الذي أصبح العامل المشترك في جميع المواد النظرية، من لغات وقراءة وتاريخ وجغرافيا. ولكن لا أحد استمع، إما جهلاً بمدى خطورة القضية، أو مسايرة للقوى الدينية المتحزبة، من إخوان وغيرهم.
كما كتبنا بأن تهاون حكوماتنا مع قضايا التطرف الديني سينقلب وبالاً علينا، وعلى مصالحنا، وحتى على العرب والمسلمين الذين يعيشون في الدول الغربية. وان صبر العالم سينفد يوماً، وسيأتي وقت تضطر فيه الدول المتقدمة لوضع حجر على دخول المسلمين إليها، أو تضع الموجودين منهم، من مواطنين، تحت الرقابة، وتمنع عملهم في مجالات كثيرة، أو تعيدهم إلى الدول التي سبق أن قدموا منها.
ولكن يبدو أن الأمور تطورت بأسرع مما توقعنا، فقد أقر الكونغرس الأميركي مؤخراً قانون «فرانك وولف» للحريات الدينية الدولية، الذي ستجبر به أميركا حكومات مختلف دول العالم على السماح لمواطنيها، والمقيمين فيها، بممارسة حرياتهم الدينية، وإنشاء ما يريدونه من دور عبادة، ومنعها من معاقبة مواطنيها أو أي فرد بسبب تغيير دينه أو إدلائه بآراء دينية مخالفة.
وقد أصبح القانون سارياً مع توقيع الرئيس الأميركي باراك أوباما عليه، وهذا الإجراء يعني أننا في الدول الإسلامية بالذات، والعربية بالذات أكثر، سنكون معرضين أكثر من غيرنا لأن تلاحقنا السلطات الأميركية، وتتخذ ضدنا، ونحن بكل هذا الهوان الصناعي والتجاري والضعف الطبي، عقوبات لا قبل لنا بها، في حال عنادنا، وإصرارنا على عدم التطور والتغير للأفضل.
لا شك في أن هذا القانون الجديد سيُساهم في دعم الحريات الدينية على مستوى العالم وتعزيز وضع الأقليات، وإنهاء التطرف الديني والحد من الطائفية، وإن تدريجياً. كما سيخلص المسلمين والمسيحيين والهندوس واليهود وغيرهم من الاضطهاد، ويمنعهم من اضطهاد غيرهم، بعد أن أصبح القتل والتهجير والتعسف الديني منتشراً في دول كثيرة لم تكن تعرف هذا التطرف من قبل.
إن القضية جدية، ومن السخف الرد على القانون بالقول إننا سنجوع ولن نخضع له، أو إننا سنعود إلى الصحراء ونعيش على اللبن والتمر، بل يجب أن نمعن النظر طويلاً في القضية، وأن نعترف بأن العالم قد سئم منا ومن تطرفنا ومن دورنا في أغلبية الأعمال الإرهابية التي تقع كل يوم، وان الأوان قد آن لوضع حد لكل هذا الجنون.
إن هذا القانون ما كان ليصدر بهذه الصورة، التي قد يعتبرها البعض تدخلاً سافراً في خصوصيات الدول الأخرى، لو كنا ندرك حقاً ماهية حقوق الإنسان في دولنا، ونطبق مبادئها، من دون تمييز، على الجميع.