فترة مجلس الأمة السابق، من عام 2013 إلى نهايات هذا العام، هي فترة هبت فيها عاصفة مسمومة خبيثة، اجتثت كل ما تبقى من ورود الكويت، وزرعت محلها أشواكاً حادة خطرة، أدمت القلوب قبل الأقدام.
اجتثت هذه العاصفة جنسيات الناس ومواطنتهم. اجتثت الشعور بالأمن. اجتثت الولاء للحكومة، وزعزعت الولاء للوطن. اجتثت عدداً كبيراً من الشرفاء من مناصبهم، وزرعت اللصوص والأنذال والمرتشين. اجتثت حرية الرأي، وزرعت حرية التطبيل والنفاق والدجل. اجتثت الأنفة والشموخ، وزرعت التذلل والخنوع. اجتثت الابتسامة، وزرعت البؤس والوجوم والارتباك.
وكانت أمٌّ كويتية قد استعانت بوزارة الداخلية لاستعادة ابنها الذي ذهب إلى القتال في سورية، فلم تجد مجيباً، فذهبت بنفسها إلى هناك، بقلب الأم الذي استصغر المخاطر، تحت رقابة وزارة الداخلية ومن دون علمها هي، ولما عادت بابنها إلى الكويت، قُبض عليها هي وابنها، في “ضربة استباقية مزعومة”، فضُربت طبول التفاخر والمجد، ورُفعت العقل زهواً ونشوة، وأنشدت فيروز “خبطة قدمكن ع الأرض هدارة”، وغنت سميرة توفيق: “بالله تصبوها القهوة وزيدوها هيل، واسقوها للنشامى ع ظهور الخيل”، وراح النشامى يحيون الجموع المحتشدة بتحية النصر المبين، ويبتسمون لمقدمي التهاني والتبريكات، ولو كان في الكويت قوس نصر لعبرت خيلهم من تحته، ووو…
على أن أخطر ما تم، أو أنذل ما حدث، هو نشر صورتها واسمها في وسائل الإعلام، قبل صدور حكم قضائي يدينها! مع التذكير بأنها هي من أبلغ وزارة الداخلية بالموضوع.
هكذا بكل بساطة، تم سحق هذه السيدة وسمعتها، بطريقة تجفّل منها الناس، وتُبعد عنها من هم حولها، فتصبح كالمصابة بمرض معدٍ، يدفع القريبين منها إلى الهروب عنها بعيداً.
والنتيجة؟ النتيجة يا صاحبي هي أن المحكمة برأتها… ثم ماذا؟ ثم لا شيء، ها هو الوزير يجلس في الحديقة المجاورة، أو الوزارة المجاورة، وها هم كبار مسؤولي الوزارة على أرائكهم يتفكهون، وها هو الشعب يضرب كفاً بكف من شدة القهر والغضب على ما حل بهذه المربية الفاضلة.
والآن، أرى أن علينا، كمجتمع، مسؤولية ليست بالصغيرة، وهي رد اعتبارها لها، شعبياً، بكل وسيلة ممكنة. وعلى نوابنا مسؤولية مشابهة، لعلهم يتباحثون في تخفيف ألم هذا الجرح الخطير الذي أحدثته الحكومة في قلب هذه المواطنة المكلومة، وردع الحكومة ومحاسبة المسؤولين كي لا يتكرر مثل هذا الحدث، أو هذه النذالة.