ليت خطاب سمو الأمير يصل إلى سمع وقلب الإدارة الحكومية بكل مؤسساتها وهيئاتها التابعة، مثلما هو خطاب للبرلمان الجديد، فعبارات مثل “… إن تخفيض الإنفاق العام أصبح حتمياً من خلال تدابير مدروسة… لإصلاح الخلل في الموازنة العامة ووقف الهدر واستنزاف مواردنا الوطنية…”، التي جاءت في كلمته لا تعني غير أن السكين وصل العظم، كما نقول في الأمثلة الدارجة، ومثلما كان الخطاب للبرلمان الجديد في بداية عهده لتجاوز الأطروحات الشعبوية المفترضة، التي تراوح تحت بند شعارات، مثل عدم المساس بجيب المواطن وسعر غالون البنزين، يفترض أن يكون الخطاب للحكومة كي تكف عن صفقات مريعة تقارب تكلفتها المالية مبلغ العجوزات المالية للدولة.
حين يطرح النواب خطاباً يلامس مشاعر المواطن في ثمن تكلفة المعيشة الآن ويعده بأن الأمور ستكون على حالها أياً كان الوضع المالي للدولة، وبصرف النظر عن خسارتها لثلثي موردها المالي الوحيد، فهذا مفهوم وإن لم يكن مقبولاً، فلا أحد يتوقع منهم، أي النواب، أن يكون مجمل خطابهم غير ذلك، في ظل نظام ريعي متأصل في نفوس المواطنين، كرس غياب مفهوم المواطنة المسؤولة، وركز قيم الاستهلاك والمحسوبيات والفساد، لكن، على الضفة الأخرى الحكومية، ماذا عن دور هذه السلطة المختزلة تماماً في أسرة الحكم والدائرة الصغيرة التي تحيط بها؟ هل تقدمت بخطوة واحدة للأمام لتطلق نهجها القديم بعد مضي نحو سنتين على تدهور أسعار النفط؟ هل حاولت جدياً، وبغير التصريحات الإعلامية، وضع أسس مشروع دولة يقوم على استقلالية المؤسسات وهيمنة مبدأ الشفافية وحكم القانون؟ أم ظلت الأمور على حالها في نهج الاسترضاءات السياسية وتوزيع ما تبقى من الكعكة على المعارف والمقربين…؟ ما الذي تغير فعلاً في سلوك الإدارة مادام أشخاصها باقين في أماكنهم لم يتغيروا؟
لا جدوى ولا معنى لأي كلام يحذر من القادم ومن كارثة إعسار قادمة قد تتحول لإفلاس يصيب الأفراد ويهدد وجود هذه الدولة طالما ظلت تلك العقليات تدير “الشو” السياسي وحدها، وكأن الدولة مزرعة خاصة بهم… لننتظر ترجمة خطاب سموه على أرض الواقع فالكارثة كبيرة، ونتمنى أن يستوعبها الكبار قبل أن يطلب من البسطاء دفع تكاليفها وحدهم.