كان خبرا مؤلما خبر القبض على شبكة تجسس سعودية عميلة لإيران. مؤلما لأن بيننا خونة للوطن وأن هذا الأمر حقيقة بائنة لا فكرة فحسب، وهو الأمر الذي تكرر أكثر من مرة أخيرا. وهو بطبيعة الحال خبر لا يقل ألما عن أي خبر آخر يتعلق بشبكة إرهابية أخرى عميلة لكيان إرهابي. في الحقيقة ليس مفاجئا أن تسعى إيران إلى تجنيد عملاء لها، لكن المفاجئ أن يكون هؤلاء العملاء في هذه الوظائف الحساسة محل الثقة منها عسكرية وأمنية، إذ كشفت المحاكمة عن أهداف الخلية التي تمثلت في تكوين خلية تجسس بالتعاون والارتباط والتخابر مع عناصر من المخابرات الإيرانية بتقديم معلومات في غاية السرية والخطورة تخص المملكة. وهو ما يعد ضمن الخيانة العظمى للبلاد بكل المقاييس. وهذا ما يرفع الأسئلة عاليا في وجه هؤلاء، ليس فقط من جانب مسلمات كخيانة الوطن ولا التعامل مع كيان معاد، بل أيضا في خيانة المجتمع وخيانة الصورة العامة للمواطنين بعملهم هذا الذي يفتت الثقة ويعزز الفرقة الوطنية ويضر بالهوية “السعودية” الجامعة.
ولا بد أن لغياب المرجعية العربية في العراق، مركز التشيع العربي، دورا مع سحب إيران البساط نحوها لتسييس الصراع منذ قيام الثورة الخمينية وتولي الخميني دور القائد السياسي ببعث الروح في فكرة الولي الفقيه. هي الفكرة التي رفضها كثير من الشيعة واتبعها آخرون بعوامل تحريض حزبية سياسية كـ”حزب الله” في لبنان. إذن كانت الهويات الفرعية شبه نائمة حتى قيام الثورة الإيرانية التي أيقظتها. ولا شك أن الصراع الجيوسياسي يوقظ الهويات الفرعية وليس العكس. والعجيب أنه مع تنامي النزعة الوطنية القومية في العالم الغربي، تتراجع الهويات الوطنية الجامعة في المنطقة العربية، وذلك بطبيعة الحال بسبب مستجدات المنطقة التي أبرزت هويات فرعية إثنية ودينية. وليس هذا أمرا طارئا على أية حال، فلطالما أسهم الانكفاء إلى الهوية الفرعية إلى نشوب حروب أهلية وانشقاقات في دول عربية شأن العراق ولبنان. وقد قاطعت الهوية الدينية في الطريق منذ إنشاء الأحزاب الدينية ونسخها في البلدان العربية والإسلامية، “الإخوان المسلمون” مثالا، حتى تراجعت فكرة الأحزاب المدنية لتحل محلها أحزاب دينية، إما صريحة أو مقنعة يلعب الدين دوره فيها مثل معظم الأحزاب العربية اللبنانية والعراقية والسورية والمصرية حتى في إيران وتركيا .
إحلال الهوية الدينية أو المذهبية، هويات فرعية محل الهوية الوطنية هو مكمن الخطورة، حيث تخرج الهويات عن سياقها المجتمعي إلى الوقائع التاريخية السياسية والفقه بهدف ترسيخ الهويات الفرعية مثلما يحدث في الصراع الطائفي السني – الشيعي، هو الذي كان في أوجه أخيرا ولحسن الحظ يبدو أنه إلى تراجع.