خطاب الرئيس أبو مازن في مؤتمر فتح كان موجها لجهات عدة أولاها اعضاء مؤتمر فتح، لكنه وجه الخطاب أيضا للسلطة الفلسطينية والرأي العام الفلسطيني وكل من يتابع مجريات الوضع الفلسطيني. مصدر الخلط في الخطاب بين أن يكون موجها لأعضاء المؤتمر الخاص بحركة فتح، وبين أن يتجه للسلطة والإدارة الفلسطينية، مرتبط بذلك التداخل الكبير الحاصل بين فتح من جهة، والسلطة الوطنية من جهة أخرى.
هذا التداخل أصبح سلبيا لفتح كما وللسلطة، خاصة مع تراجع مشروع الدولة الفلسطينية، واستمرار مشروع الحركة الصهيونية تجاه السكان والارض.
ان السلطة التي يرأسها الرئيس أبو مازن، يجب ان تتحول أكثر نحو التنمية المجتمعية أولا والإدارة الحديثة والصمود على الارض والعدالة مع الشعب والشراكة، بينما على حركة فتح استعادة الروح النضالية التحررية بوسائل سلمية ومبتكرة، وهذا غير ممكن إن لم تبتعد فتح عن دورها في السلطة الفلسطينية.
لقد تشبعت السلطة الفلسطينية العاملة في رام الله بذات المعوقات المتوارثة من زمن مقاتلي الجيل الأول في المنافي. هذا ما يشعر به الكثير من أهالي الضفة الغربية والقدس، ففي أحاديثهم، كما لمست في فترة حضوري للمؤتمر في رام الله، نقد واحتجاج تجاه ما يعتبرونه انفصال فتح عن دورها التاريخي وانفصال السلطة عن دورها الديمقراطي والتنموي.
إن توجيه النقد في الخطاب للربيع العربي عكس فهم السلطة تجاه أحداث الربيع العربي وأسبابها، وهو يشبه فهم النظام العربي غير الديمقراطي والذي يصطدم مع شارعه في حالة تزداد احتقانا. لقد عكس الخطاب، بنفس الوقت، مكانة ودور جيل الرئيس أبو مازن ذي التجربة التاريخية، الرئيس أبو مازن يمثل إرثا تاريخيا كبيرا، هو آخر المؤسسين من الآباء للحركة الوطنية الفلسطينية الحديثة. فهل بعد هذا الجيل يفتح الباب للفراغ والتشرذم أم يتم الاستعداد لتعبئته بقادة من الجيل الشاب يحظون بشرعية الشعب ودعمه؟ وهل هناك من حل سوى الحل الديمقراطي والانتخابي في التعامل مع العديد من التناقضات التي ستعصف بالفلسطينيين في القادم من الأيام؟
ويصبح السؤال: كيف ترى النخبة التي ستقود فتح بعد الانتخابات للمجلس الثوري واللجنة المركزية مكانها في التاريخ الفلسطيني والعربي؟ كيف تريد هذه النخبة ذات الخلفية النضالية أن يذكرها الشعب الفلسطيني كما والعربي في الداخل والخارج بعد عقد من الآن؟
إن السلطة في كل منظمة وإدارة تكشف مع الوقت نقاط ضعف أصحابها كما أنها تفسدهم مما يغير طبيعة علاقتهم مع الشعب، لكن السلطة للمناضلين يجب أن تكون لخدمة الناس وحقوقهم ويجب ألا تخشى، كما يحب أن يرى سكان فلسطين المحتلة، من الخضوع للمنطق الديمقراطي الذي يحميها من الفساد والفشل.
هذا مقياس جوهري لاجتياز المرحلة القادمة. فإن لم تجد السلطة الفلسطينية معادلة الشراكة مع الشعب من خلال مساحة عامة وإعلام حر وحريات وحقوق وإدارة حديثة ديمقراطية ضمن قوانين واضحة وإن لم تحقق المسافة المطلوبة والفصل المنطقي مع حركة فتح المناضلة والشعبية فالمستقبل سيكون مليئا بالتناقضات والصعوبات للسلطة كما ولفتح.
إن طريق المفاوضات الذي تؤمن به السلطة الفلسطينية، رغم أهميته، عاجز عن إيقاف الاستيطان. لقد دفنت إسرائيل مشروع الدولة الفلسطينية بسبب استيطانها واستبدلت التفاوض على الدولة بتفاوض على شروط الأبارثايد وشروط الاحتلال. الحالة الراهنة للفلسطينيين هي حالة فصل عنصري وحكم ذاتي محدود تسعى إسرائيل لإدامته بينما تلتهم الارض. المسألة الفلسطينية بحاجة لحركة شعبية نضالية سلمية ومبدعة تقودها جبهة وطنية مكونة من فتح وحماس والحركات الشعبية والمدنية الأخرى هدفها الصمود والإنسان وحقوقه. هذا الوضع يجب ألا يخل بواجبات السلطة وضرورة تطويرها والتعامل مع مكامن الضعف والتردي فيها. هذا وضع يجب أن يتفاعل مع الحالة الشبابية العارمة في الشارع الفلسطيني، والتي تشتبك مع الإسرائيليين عند الحواجز، وهي ذات الحالة الشبابية التي تقود المقاطعة بكل تأثيراتها الدولية.