“عندما تصبح الدول فاشلة تقوى وتتأصل انتماءات شبابها للدين، وللطائفة، وفي عام 2002 كانت هناك خمس دول عربية تعاني من الصراعات، الآن لدينا 11 دولة، ويتوقع تقرير التنمية الإنسانية العربية للأمم المتحدة لعام 2016 أنه بحلول عام 2020 سيكون ثلاثة من كل أربعة عرب يعيشون في دول معرضة للصراعات… المخيف هو أن العرب يشكلون 5 في المئة من سكان العالم، ومع ذلك فهم يساهمون في 45 في المئة من عمليات الإرهاب بالعالم، وأيضا يشكلون 47 في المئة من النازحين، و58 في المئة من اللاجئين، و68 في المئة من الضحايا…”.
الفقرة السابقة هي من مقال في عدد “الإيكونوميست” الأخير، الذي يستند إلى تقرير الأمم المتحدة السابق ذكره، ومن دون حاجة لكي نصب اللعنات بعبارات، مثل “تباً وسحقاً لهم”، على الدول الغربية الاستعمارية بالأمس التي يعلق عليها فشل النظام العربي، وبهذا نريح أنفسنا من عبء المسؤولية والتفكير والتدبر بأسبابها وعلاجها، أو يتم تذكيرنا بإرهاب اليسار العربي في فترة الستينيات والسبعينيات، لم لا نقر بأن هناك واقعاً مخيفاً للعنف والإرهاب في العالم العربي من أسبابه الفقر والتهميش الاقتصادي والسياسي وأنظمة حكم مستبدة وجاهلة في آن واحد، وأن هذا الإرهاب يتمدد يوماً بعد يوم، وينتقل بالعدوى السياسية من دولة قمعية فاشلة إلى أخرى، وأننا في المستقبل القريب وباستمرار بقاء أنظمتنا على حالها حين أغلقت شبابيك التغيير والانفتاح على شعوبها سنعاني أكثر مع العثرات الاقتصادية الكبرى القادمة لا محالة، فلنتوقع الأسوأ.
لكن ليست هذه كل حكايتنا مع العنف والإرهاب في مجتمعاتنا المتشظية، فعندما نتحدث عن إرهاب الجماعات الدينية المتطرفة لا ننسى دور المملكة المتحدة والغرب بصفة عامة، ثم الولايات المتحدة عندما ورثت التركة الاستعمارية من أوروبا في بذر بذوره في المنطقة.
الباحث الأكاديمي كريستوفر ديفدسون في كتابه الأخير، بعد كتابه الأول عن مستقبل ممالك الخليج، يتحدث في مؤلفه الضخم بعنوان “حروب الظل… النضالات السرية من أجل الشرق الأوسط”، ويتعقب تاريخ بريطانيا سواء في مصر قبل ثورة يوليو وبعدها، ثم الولايات المتحدة في تبني الإرهاب واستعماله كسلاح أثبت فعاليته في مواجهة الشيوعية، كانت العقدة الكبرى عند هذه الدول غولاً اسمه “الشيوعية” وتحت هذا البند، تم تبرير “الجهاد” في أفغانستان، وكان الدعم المادي بالمال والرجال من دولنا النفطية، فواتير مكلفة ترسلها الولايات المتحدة وتدفعها دولنا سريعاً، وإذا كنا نشمئز الآن من المشاهد الوحشية لإرهاب داعش فسنجد أن لها جذوراً عند المجاهدين الأفغان مثل قطع آذان وأنوف خصومهم.
تقرير هذه الحقيقة بمعنى أدبيات العالم فرانكشتين ووحشه الذي انقلب عليه ليس أمراً جديداً يقرره كريستوفر، ما يهم هو تأصيل بحثه بتقارير موثقة للخارجية البريطانية وتصريحات ولقاءات مسؤولين غربيين في “سي أي إيه” وغيرها، ثم انتقاله إلى الربيع العربي وانتكاسته أمام قوى الثورة المضادة التي رعتها الأنظمة المحافظة بدولنا، أتمنى أن يجد بحث كريستوفر ترجمة عربية، مع يقيني أنه سيكون من المحرمات الفكرية في صحاري أنظمتنا الحاكمة.
ملاحظة تذكرها “الإيكونوميست”، ومعها تقرير التنمية الإنسانية، وهي أن الأنظمة العربية، بعد خمس سنوات من ثورات الربيع لم تتعلم شيئاً من دروس الماضي، فهي مازالت قاسية، تمارس القمع والقسوة مع شعوبها، وترفض بعناد الالتفات لقوى المعارضة.
بالأمس كانت الوفرة المادية المتولدة من أسعار النفط العالية تسكت وتهدئ من أصوات الغضب الشبابية، فما العمل اليوم، بعد أن طارت الطيور بأرزاقها… فمن يقرأ ومن يتعلم في ثقافة “ترى إحنا ما نتغير ويا رب لا تغير علينا”؟!