من الإطلالة الأولى، قد يقول قائل لمجرد التعليق على العنوان «نعم… التطبيل والنفاق يصنعان مستقبلًا وينفخان كروشًا ويملآن جيوبًا»! وكلام من يقول ذلك صحيح… «مو غلط»، لكن التطبيق والنفاق والتصفيق والتملق وهي ظواهر نشهدها في نماذج متعددة من كبار المسئولين وصغارهم… في خطباء وأئمة المساجد والجوامع عاقلهم ومخرخشهم… في كتاب وممثلين وفنانين وطبالة وطقاقة مرواس من جميع الأحجام… وليس ذلك الأمر مقتصرًا على طائفة دون أخرى، أو فئة دون غيرها، بل هي تشمل أهل النفاق والتطبيل من كل الملل والنحل.
مقززة إلى حد الموت تلك الأساليب والسلوكيات التي تحيط بها تلك النماذج من أصحاب التطبيل والنفاق، ولا شك في أن ذلك الأسلوب كان ولايزال جزءًا لا يتجزأ من أسباب التراجع والترهل وسوء الأداء، وتكدس المشاكل في المجتمعات العربية والإسلامية، فمن جهة، يجيد الكثير من المسئولين النفاق والتزلف واللعب على 50 حبلًا، ومن جهة، هم في قرارة أنفسهم يعتقدون ويؤمنون ويبصمون بأن أصحاب القرار لا يحبون الكلام الصادق… لا يطيقون الحقيقة… هم يريدون النفاق والكذب وقلب الميمنة ميسرة والشمال جناحين… وفي الحقيقة، كلامهم هذا قد يكون صحيحًا، لكنه يعتبر قمة الخنوع وخيانة المسئولية الوطنية والإضرار بالوطن العربي وبالشعب في كل بقعة من أمتنا العربية والإسلامية.
بالإمكان مشاهدة بضع قنوات فضائية أو قراءة صحف أو متابعة حسابات إلكترونية لمعرفة هذا الكم الهائل، على مستوى البحرين والخليج والوطن العربي قاطبة، من الأسماء التي لا تمتلك ما يمكن أن يكون نافعًا ومفيدًا للوطن وللمواطن سوى الادعاء بأنهم أحرص الناس وأفضل الناس وأخلص الناس للأوطان، ولن تجد فيما يطرحونه ما يمكن أن يمثل إضاءة مهمة في الأزمات والظروف الصعبة التي تمر بها الأوطان… على العكس من ذلك، فإنك ستصاب حتمًا بالتقزز من شدة النفاق والدجل واستخدام المفردات والتعبيرات ذات البعد الطائفي واللون النفاقي في التزلف والتقرب من الحكام والحكومات، وهذه الظاهرة التي بدأت تنتشر كالنار في الهشيم، وخصوصًا في حسابات التغريد (تويتر) الخليجية، لا شغل لها إلا نشر الأشعار وقصائد التبجيل والصور والتصاميم والكلمات التي لا تخرج عن إطار المديح المبالغ فيه من جهة، والإفاضة بين حين وحين بإطلاق الاتهامات والشتائم والدعوات الطائفية والتشكيك في ولاء هذه الطائفة، ودين تلك الطائفة والتهجم على تلك الملة.
أقول أن هذه الظاهرة ما كان لها أن تنتشر لو لم يجد أولئك المتاجرون أن لبضاعتهم الفاسدة رواجًا بين الراغبين فيها! وهذا الكلام لا ينطبق على فئة دون أخرى أو طائفة دون سواها، حتى لا يقفز نفر هنا وهناك ويدعي أن طائفتك تفعل ذلك وطائفتي لا تفعل ذلك! إن الحديث عن أهل النفاق والتلميع والتطبيل لا يقتصر على منافق من طائفة معينة، ثم للتوضيح، لا يمكن القول أن من يحب حكومته وولاة أمره ويدعو لهم وينشر ما يروق له من صورهم وأقوالهم هو مطبل وبذلك فهي من هذه الطائفة، وأن من يهاجم ويفتري ويتجاوز الحدود هو مخلص لكنه خائن كونه من تلك الطائفة، فهذا المقياس لا يستقيم مع التأكيد بأن المقصود بالنفاق والتطبيل والمتاجرة بحب الأوطان هم أولئك الذين لا تجد في مقالاتهم، ولا مقابلاتهم الصحافية أو الفضائية، ولا تغريداتهم أو مساهماتهم في وسائل التواصل، إلا النفاق ثم النفاق ثم النفاق.
على أية حال، إن امتلاء وسائل التواصل وأجهزة الإعلام والصحافة بكتابات من اللون التطبيلي، لم يعد يؤثر حتى في كبار المسئولين، ولا يجدي نفعًا مع من يبحث عن منصب أو أعطيات عبر أسلوبه في اشعال النيران الطائفية، ولا ذلك التزلف والتملق المفضوح يوصل صاحبه إلى مبتغاه، لكن لكل قاعدة شواذ، فهناك من وصل إلى ما يريد عبر سلم النفاق، وهناك من سقط من أعلى سلم النفاق… سواء كان حديثنا عن البحرين أم الخليج العربي والأمة العربية قاطبة، لسنا في حاجة إلى جوقة النفاق تلك ليأتي أحدهم في مقاله فيصف نفسه بأنه المخلص للوطن وهو من أنقذ الوطن وغيره من المواطنين ما هم إلا خونة أو متخاذلون، أو يقف خطيب على منبره ليملأ جيوب الناس وعقولهم بالهراء باعتباره أحد أبطال الإسلام وأسوده، أو يصبح أحد المغردين ويمسي وهو يتلو آيات التبجيل والتفخيم ليلفت لنفسه النظر فيما يعتبره اخلاصًا للوطن من خلال تأليبه الطائفي البغيض.
وبصراحة، هؤلاء المنافقون، في طول الوطن العربي والإسلامي وعرضه، لو لم يجدوا من يسبغ عليهم ويقربهم لما فعلوا ذلك، ولما سار غيرهم على الطريق الذي اعتبروه أيسر الطرق للوصول إلى الغايات! والخلاصة، التطبيق والنفاق والتملق لا يمكن أن تكون أسس بناء وطن أو تطور مجتمع.