إذا كانت قضية الإصلاح مقتصرة على شهادات الميلاد فقط لا الأداء ووضوح الرؤية والهوية فلا أقول غير هنيئا لكم بالإصلاح القادم على طاولة قمار، الخائبون فيها أكثر من الرابحين.
لقد التهم اليأس أدوات القياس الرئيسة كالذاكرة والمنطق وقليل من الأرقام لدى بعض من خاضوا معترك السياسة وخبروا أحداث الشأن العام، ذلك اليأس دفعهم للتعلق بأي قشة أمل أو أي ظاهرة غلافها الخارجي مفعم بالحيوية والرغبة في التغيير، متناسين أن قوانين الملعب مفصلة لتناسب قدرات السلطة التنفيذية ومتجاهلين– وهذه للبعض- أن المتملص من الإجابة عن أسئلة “فحص الهوية” السياسية هو إما “بصام” مستتر أو “متأسلم” ينتظر لحظة أداء القسم كي يكون أول الموقعين على “منيو” قوانين أسلمة الدولة، ولكن من الواضح في زمن انتخابات الأهل والأصحاب والجيران تبخرت كل الأسئلة.
أين السياسة والعمل السياسي الجماعي والحد الأدنى من الطعم السياسي في انتخابات الصوت الواحد؟ لا شيء، الكل يقول “نفسي نفسي” وقاعدتي هي أهلي ومحزمي. نعم لم نكن في انتخابات الماضي القريب نرفل بالعمل السياسي المثالي لكن على الأقل كان لدينا تنظيمات واضحة المعالم، وتحالفات متماسكة تنجح في إيصال عناصر مهيأة للعمل ضمن تكتلات برلمانية فاعلة في التشريع والرقابة، ولكن يبدو أن اليأس إياه أنسى البعض ثلاث سنوات من العمل الفردي المبعثر والسطوة الواضحة للسلطة التنفيذية.
إن المسؤولية الاجتماعية في تقييم المشاريع الضخمة لم يحسب حسابها لدى الحكومة ومن ساندها عندما أرادت تطبيق نظام الصوت الواحد، واليوم بعد عدة تجارب للنظام الانتخابي المدمر نفسه لم تجد أضراره السلبية على علاقة الأخ بأخيه ومتانة صلات مكونات المجتمع ببعضها أي اهتمام يذكر، وتم التركيز فقط على البناء الجديد دون الاكتراث بدرجة تماسكه.
إنني ومع كامل احترامي للرونق الذي أضفاه وصول بعض العناصر الشبابية لمجلس الأمة الأخير، وأيضا مع كامل تقديري للرأي الذي يتبناه الدكتور أحمد الخطيب، والذي نشره في “الجريدة” أمس، أقول لا تستبقوا الأحداث قبل المرور بمحطات الاختبار الرئيسة، وهي قادمة لا محالة في مجلس يعيش على حافة (الحل) كسابقيه، سنرى فيها من سيقفز إلى معسكر الصف الأول مدافعا ومكافحا عن الحكومة، ومن سينضم إلى جوقة المكبوتين طائفيا وعنصريا، وأخيرا سنرى من سيصمد بوجه كل تلك التحديات.
في الختام نقول إن من وصل، وصل بدافع مشاعر القربى والمودة والغضب وشيء من العقل، أما فرضية وجود مشروع جامع نجح في إحداث التغيير نحو الإصلاح فلن يدخل ذلك عقلي لسببين: الأول هو الحل المفاجئ للبرلمان، والثاني وجود نظام انتخابي وظيفته ابتلاع العمل الجماعي.