الجزء الثالث من الحلم الكابوس: صدمة كبيرة أصابت الناس المجتمعة في ذلك المكان المجهول بالذهول! وكانت خيبة أملهم كبيرة حينما تفاءلوا بمحاكمة أحد كبار المفسدين من (الهوامير)، فإذا بالمحبوس المفسد في تلك (الخيشة الكبيرة… خروف)! ومع شديد الأسف، استطاع ذلك الخروف الهروب راكضاً بعيداً.
العجوز (أم عكاز) ضحكت بشدة حتى رأينا (بوزها) وقد انفتح عن آخره من شدة الضحك وبه ثلاثة أو أربعة أسنان فقط، حينها قالت: «يا مال الويل… سمين لا بارك الله فيه من خروف… من البوق وأكل الحرام ما خله ولا بقه… شعاد، إلا بهيمة… شلون خليتوه يشرد؟ ههههه… حسبي الله عليكم… ههه… لكن دريتو… خلو الموضوع عندي… بأمانة الله»، ثم ودعت الجمع وبتثاقل، سارت مستندةً على عكازها.
ترى، ما الذي يدور في بال تلك العجوز؟ وما الذي تخطط له؟ كنت مازلت مع الآخرين ننتظر من يتحدث معنا بوضوح حتى نفهم ماذا يجري؟ فعلى تلك المنصة جاء رجل وضحك علينا ومضى، وها هو رجل آخر لايزال هناك ووعدنا بمحاسبة مفسد تحول إلى خروف وهرب… لكن، على أية حال، الوضع لم يعد يطاق، فقد حانت الظهيرة، والشمس تحرق ما تحتها ولم نعد نطيق البقاء… وعاد النداء من جديد: «أيها البحرينيون الطيبون… مازلنا في هذا المشهد التاريخي العظيم الذي سيمثل منعطفاً لكل من يعيش على هذه الأرض الطيبة… تعلمون أن الأوضاع من حولنا كلها دمار في دمار… ها أنتم ترون العالم من حولنا كله خطر في خطر… الاقتصاد دمار… الأمن دمار… ولله الحمد، نحن نعيش في بيت واحد متكاتف ولا بد من أن نحافظ على هذا المكسب العظيم… علينا أن نتحد ونعمل من أجل الوطن والمواطن».
– «لو سمحت يا الطيب»… قال أحدهم وهو يخاطب صاحب النداء: «ترى يا الغالي شبعنا من هذا الكلام… مللنا من التصريحات الرنانة… شبعنا من الكلام اللي ما يودي ولا ييب… الزبدة… الحين شلون العمل… ويش السواة؟ فلم تعد لنا قابلية للاستماع إلى هذا النوع من الخطب التي أصبح يستخدمها كل من يريد المتاجرة بالوطن والمواطن.. لم نرَ إلا لهثاً وراء المصالح الذاتية والفئوية وكله باسم الوطن والمواطن… كله نفاق في نفاق».
أخذ الحماس شخصاً آخر قريباً من الأول فقال: «الوضع في البلد لا يحتمل التخوين والتشكيك في انتماء الناس ووطنيتهم… لم يعد هناك أي سعة لقبول الطائفية والفساد والتمييز… نعم، العالم في خطر من حولنا… لا والله خوش كلام… يا أخي ما دام العالم خطر، ليش ما نركز على ساحتنا الوطنية الداخلية ونحل مشاكلنا بتخطيط وقرارات سليمة؟ لماذا لا نتفاهم على ملفات الوطن بروح أهل البلد دون أن تأخذنا موجة هنا وأخرى هناك؟ نعم، نحن على استعداد لتحمل كل شيء من أجل الوطن، ولكن لا تخنقني وتأخذني إلى هاوية الجوع والغلاء ومصاعب المعيشة ثم تجلس لتدندن وتتفلسف».
الرجل الذي على الهضبة ابتسم بهدوء وقال: «كلامكم جميل وأنا أتفق معكم… كل ما قلتموه صحيحٌ مئة في المئة، وعلينا جميعاً أن نبدأ مرحلة التصحيح… بلدنا في حاجة لنا جميعاً، لن يكون هناك أفق للمنافقين والمطبلين والمتمصلحين… سيكون الغد معتمداً على سواعد المخلصين من الكفاءات وأبناء البلد المؤهلين دون النظر إلى دينهم أو مذهبهم أو قبيلتهم أو حمولتهم»… و… لحظة.
عادت العجوز أم عكاز وهي تقول :»لحظة… لحظة… أسمع يا هذا… هل تعرف معنى كلمة (طمبورها)؟ هذا ردي على كلامك… إسمعوني أيها الناس… تبون الصج… هاكم الصج»… الكابوس مستمر.