أنت ستنام، التصقت أجفانك، لا تستطيع فتحها، أنت مرتاح وسعيد، تعمق أكثر. أنت سعيد أكثر!، وغيرها من العبارات التي يطلقها المنوم المغناطيسي، وإذا قارنا هذه الطريقة بصورة أكبر وأشمل، فسنجد أن المجتمع يقوم بتنويمنا اجتماعياً من حيث لا نعلم وبالأسلوب نفسه. فالمنوم المغناطيسي بعد أن يسيطر عليك يقوم بتلقينك بعض الأوامر، ربما لن تفعلها وأنت في صحوك، أو باستغلال وتوجيه معلومات كانت مخبأة في ذاتك، والمجتمع يقوم بذلك أيضاً، ونحن لا نعلم. أنا هنا لا أُجرّم المجتمع، فكل المجتمعات تفعل ذلك، لكن الجريمة الكبرى هي قبولنا ومساهمتنا في ذلك ولسان حالنا يقول: من شابه «مجتمعه» فما ظلم! ولا صحا!
الطفل على سبيل المثال يولد على الفطرة، وفي مجتمعنا يولد عنصرياً أو طائفياً! فوالداه يلقنانه دروساً تمييزية يفرقان بها بينه وبين الآخرين، فهو فلان ابن فلان ابن الطائفة الفلانية، فينشأ «نائماً» عن صحوة المساواة والمعاملة بالحسنى، وغافلاً عن «إن أكرمكم عند الله أتقاكم». وحين يكبر، تتناقله تيارات المجتمع هنا وهناك حتى تجده إنساناً آخر عن ذلك الإنسان المبدع المنتج الإيجابي الذي يتعايش مع الآخرين. باختصار لن تجده إنساناً «صاحياً» له بصمة إيجابية في الحياة كما هو قرينه في العالم المتحضر، لأنه منوم اجتماعياً، بعد أن غرس المجتمع فيه فروقات بينه وبين الآخرين فكيف يتعاون أو يتفاعل معهم؟
التنويم الاجتماعي جريمة باردة وموت إنساني بطيء، فهذه الأعراف والتقاليد التي تقود تسعة أعشار أعمالنا وأفعالنا – كما يقول لاندس – هي مازالت تكبح تقدمنا وتعيدنا إلى جاهليتنا الأولى، وهناك 0من يزيد من هذا «حبتين» لأنه يستفيد منك «نائماً» ولا يستفيد منك واعياً وصاحياً. هو يوحي لك بأنك «مرتاح وسعيد»، لكن هذا للأسف ليس الحقيقة. إن الصحوة من هكذا نوم هو إعطاء هذا الإنسان الذي بداخلك حقه وقيمته، فهو كائن منتج ومبدع ويحب الجميع، دون قيود وتنويم واستغلال اجتماعي رخيص. فأنا وأنت سنصحو مع الوقت لا محالة، لكننا هل سنعيش صحوة المجتمع أم سيغمرنا بنومه وجهله؟ ابدأ بنفسك، يتبعك المجتمع.