انتقاد الأحداث والتصرفات المتعلقة بوضع الدولة ومؤسساتها وسياستها البائسة، والذي يفصله توقيع هنا وختم هناك وتصديق من ذاك، كي يدخل ضمن سلسلة عادات وتقاليد المجتمع، أصبح يقابَل بالنفر والاستهجان، ويطالب من صاحبه الخروج من «كويتهم»، لأسباب وعلل تتعدد وتكثر، قد يتسم الكثير منها بالتفاهة والسخف والعنصرية، إلا أن أحدها، وهو محور حديثي هنا، يقوم على رفض التشاؤم الذي يحمله الانتقاد، وما يتبعه من رؤية مستقبلية لحال البلد، التي في الغالب لا تبشر بخير ولا بيسر.
لكن، هل بالفعل كل هذه الانتقادات تحمل روح التشاؤم، وتعمل على «تكسير المجاديف»، والاعتراض فقط من أجل الاعتراض، أم انها قصص تحكي واقعا لا يريد هؤلاء الاعتراف به وتصديقه؟
الحقيقة، إن جوهر هذه الانتقادات والاعتراضات، إلى جانب رسائل التقويم التي تحملها، يقوم على رفض الخضوع والانصياع وتسليم العقل لحياة الوهم والزيف، التي توالت حكومة تلو الأخرى ببنائها وإعمارها، على عكس واقعنا الذي يحتضر، وهي أيضا نداء للكف عن طرق الحوائط والبدء بفتح أبواب الإصلاح والتغيير.
هي دعوة لانتشال جثة هذا الوطن من الغرق، على أمل أن يصحو ويعيش ويزدهر ويتطور، وهذا ما يمكن ملاحظته، وما تخبرنا به نصف الابتسامة التي تزرع على وجوهنا كمواطنين، التي لا تتصف بالسخرية بقدر أنها تأخذ المسؤول «على قد عقله»، بعد تصريحه ووعوده بتطبيق القانون وتطويق الفساد ومحاسبة المفسدين وإعمار البلد.
خلاصة القول، إن العيش بحياة تشترك في صفاتها مع مخيلة ممارسي اليوغا ذوي النظرة التفاؤلية الدائمة، والحديث عنها بطريقة يخيل للمتلقي والمستمع أن دورات المياه العمومية فيها تحمل روائح الطيب والورد، لا يعد تفاؤلا بغد أفضل وكويت أجمل وحياة أترف، بل تعتبر أكبر عامل قد يعيق أي تحرك من شأنه الإصلاح والتغيير، لذلك يتطلب بداية تقبل الواقع ومساوئه، حتى نكون قادرين على تطبيق، ولو جزء بسيط، من مشهد الكارتون الذي تعيشه، والعمل على إيجاد تربة صالحة لزرع بذور النهضة والتطور.