مقالة “ماذا لو” هي مجموعة افتراضات أقرب ما تكون إلى توقعات تشاؤمية حول وضع العالم السياسي الاقتصادي، كتبها توماس فريدمان في “نيويورك تايمز” قبل خمسة أيام، بدأ فيها بتوقع توقف معدلات النمو في الصين التي استحوذت على ثلث معدلات النمو العالمية في الثلاثين سنة الماضية، الكاتب لا يتحدت عن تباطؤ نمو، وإنما عن توقف نمو، فماذا يكون أثر هذا التوقف على اقتصادات الدول الناشئة! غير الخراب ماذا يمكن أن نتوقع؟!
بعدها ينتقل الكاتب، الذي كان ضيفاً محاضراً بالكويت والسعودية قبل فترة بسيطة، ليتحدث عن “ماذا لو أن” أسعار النفط لم تعد إلى سابق عهدها بعد تقدم اكتشافات النفط الصخري وعمل شركاته الدؤوب على تقليل نفقات استخراجه، وأن دول أوبك التي حددت ميزانياتها بـ100 أو 80 دولاراً، ستجد نفسها في وضع لا تحسد عليه، فكيف يمكن أن تنفق تلك الدول على ديمومتها وتغطية نفقاتها المتصاعدة؟! ألا يوجد احتمال أن بعض تلك الدول، التي خط الاستعمار حدودها على الرمال بعد الحربين الكونيتين الأولى والثانية، وعاشت عيشاً رغداً لعقود ممتدة على ريع النفط، قد تزول أو تتفكك، أو تدخل في حروب طائفية وقبلية (ليس في مقال فريدمان) حين تلج في النفق المظلم بعد أن انقطع شريان حياتها البترولي؟!
لنترك فريدمان وافتراضاته ومراهناته في وضع أوروبا، وتهديد ألمانيا بغلق حدودها مع أوروبا لتحملها شبه منفردة أزمة اللاجئين، واحتمال تخلي الولايات المتحدة عن حلفائها التقليديين في المنطقة، فليست هي بحاجة إلى نفط تلك الدول اليوم مثلما كان الأمر عليه بالأمس، فماذا ستكون عليه أمورنا؟
“ماذا لو” لو عجزت دولتنا الكويتية، مثلاً، عن التأقلم مع الواقع الجديد، وظلت على طمام المرحوم، بتسويف الحلول الجدية لمواجهة الأزمة، وقصرت حلولها على مجرد أطروحات مترددة عن رفع الدعم وفرض الضريبة على القطاع الشعبي الأكثر تضرراً، متناسية مبدأ العدالة في توزيع الغرم، مثل رفع سعر الكهرباء على الجميع لا فرق بين “ساكن شقة” وصاحب مجمعات ومولات تجارية، وعدم التحدث ولو همساً عن تجاوزات مالية في عقود الدولة، وتفضيلها فئات مقربة للسلطة في استغلال أراضي الدولة، أو توقيع عقود بأرقام فلكية للترويج عن مخاطر الأمن الخارجي… ماذا لو استمر هذا الحال؟
ماذا لو امتدت طوابير العاطلين عن العمل؟ وماذا لو تدهور سعر صرف العملة الوطنية، وعجز المستهلكون عن شراء حاجاتهم الضرورية؟ وماذا لو سحبت السلطة من أرصدة الاحتياطي العام ونضب في سنة أو سنتين؟ وماذا لو، وكنتيجة لتدهور الوضع الاقتصادي وامتداد حرب اليمن وسورية إلى زمن مجهول، زادت حالة التخندق الطائفي، وتحولت حروب الكلام والغمز واللمز من كل طائفة ضد أخرى مع بهارات الخطاب الديني المتعصب إلى أعمال إجرامية، وتطورت هذه إلى وضع كارثي…؟ ماذا لو عجزت السلطة عن فهم واستيعاب كل ما سبق؟
ماذ لو بقينا نردد شعار “هذا سيفوه” في أيام العز، وهذه “خلاجينه” في أيام البؤس… ماذا لو عجزت الدولة بحكومتها وسكانها عن التأقلم مع ضياع سعر برميل النفط… ماذا سيحدث؟
قليل من القلق يصلح العقول المترهلة.