كنت أظن أن هذه النوعية، من الناس الغلابه، انقرضت، إلى أن صعقني أحد الأصدقاء بأحاديث أضحكتني إلى حد البكاء، عندما قال: “لعل انخفاض أسعار النفط خيرة، ولعل الحكومة ستبدأ رحلة التقشف، ويقل الفساد، وتتوقف السرقات، والهبات، ومحاربة الثورات، ونفخ الأرصدة البنكية للنواب، ووو… وتعود الكويت كويتاً”.
من سوء الحظ، كان حديثنا عبر الهاتف، وإلا كنت وضعت يدي على جبهته لأتفحص حرارته، لعله مصاب بحمى، أو مس، أو داء الديك الرومي، أو لعله ورث عقليته الجبارة وقراءته العميقة للمستقبل من العلامة اللمبي، أو لعل أحداً وضع في فنجان قهوته ما يُذهِب العقل ويجلب الهبل.
مسحت دموعي، قبل أن أثنّي على كلامه، وأزيد عليه: “حبيبي يا عيني، فعلاً، وستسترد الحكومة ملايين الدنانير التي ذهبت إلى أرصدة النواب، وتحاسب الراشي والمرتشي، وتسترد المزارع والجواخير التي حصل عليها السياسيون والإعلاميون، وتسلموا معها الطبول والمباخر، وسترفع سعر إيجار القسائم الصناعية وأملاك الدولة، وستحاسب حكومتنا الرشيدة كل الشركات المتأخرة في تنفيذ المشاريع، بغض النظر عن أسماء ملاكها، وتطبق القوانين على الوزراء والشيوخ، وسيكتظ السجن بالمسؤولين الفاسدين، الكتف على الكتف، والدموع على الدموع، واللطم على اللطم، و…”.
وأكملت: “صحيح، كل كلامك صحيح، وأمانيك صحيحة، فستتوقف فسفسة ملايين الدنانير التي تذهب شرقاً وغرباً، لدول نعرفها وأخرى لا نعرفها، ويتوقف التلاعب بالصفقات الحكومية، وتختفي العمولات، والثعلب فات فات، وفي ذيله سبع لفات، وسيتم انتقاء خيرة الشبان والشابات ليتولوا المناصب في هذا الظرف الحرج، بعيداً عن ولاءاتهم ومواقفهم السياسية، وستحرص السلطة على تثبيت اللحمة الوطنية لمواجهة هذه الأزمة الخانقة، وتعيد إحياء القيم التي تسببت هي في قتلها، وستشعر أنك في السويد قطعة أربعة خلف فرع الغاز، وستحلّق الشفافية في الأجواء… لكن كل هذا لا يهم الآن، المهم هو أن تذهب أنت إلى أقرب صيدلية في أسرع وقت، شفانا الله وإياك”.
وقبل أن أغلق الهاتف، سمعت تمتماته عن التفاؤل والأمل وخزعبلات أخرى كنت أتمتم بها قبل نحو عشرين سنة مما تعدون.