مقاطعة جلسات مجلس الأمة بسبب الأحكام القضائية التي صدرت بحق خلية العبدلي قرار جانبه الصواب، ولا يحمل أي دلالات سياسية مقنعة، لكنه قد ينسجم مع الحالة الغاضبة لجمهور الناخبين ولو لفترة مؤقتة رغم عدم إمكانية تسجيل موقف سياسي حقيقي ضد الحكومة.
شخصياً لم أكن من مؤيدي مقاطعة الجلسات بما في ذلك الجلسة الأخيرة في مجلس 2009 عندما انسحب (20) نائباً، الأمر الذي تسبب في عرقلة تشكيل لجنة التحقيق في قضية القبيضة، وبالتالي ضاعت إحدى أكبر الفرص في كشف أحد أسرار الفساد المالي في الكويت ومن أعلى مستوى سياسي.
قد يكون سلاح المقاطعة ذا مغزى سياسي إذا كان موجهاً ضد الحكومة، أو لتغيير الرأي العام بشكل مقنع ومدروس وتحويله إلى ضغط شعبي مؤثر في صناعة القرار، ولكن مثل هذا الهدف ضعيف في المقاطعة الأخيرة لسببين: أولاً لأنها موجهة للقضاء الذي يفترض أن يكون سلطة دستورية مستقلة ولا علاقة لها بمجلس الأمة، يضاف إلى ذلك أن أحكام القضاء القريبة زمنياً سواءً في حبس المغردين وحل مجلس الأمة في 2012 وتحصين مرسوم الصوت الواحد وسجن النائب السابق مسلم البراك، وأخيراً الأحكام الصادرة بحق مرتكبي جريمة تفجير مسجد الإمام الصادق (ع) كانت محل إشادة غير طبيعية، وصلت إلى التمجيد من قبل عدد كبير من مقاطعي الجلسة الأخيرة تحديداً، ولذا فإن اتخاذ موقف معاكس تماماً وإعلان مقاطعة البرلمان على ضوئه يفتقر إلى المصداقية، وكان الأولى بالنواب انتقاد الأحكام القضائية وهو أمر جائز دون المساس بالقضاء تحت قبة البرلمان في مرافعات مستندة إلى الحجج القانونية والمقارنات الخاصة بالفقه القانوني.
السبب الآخر الذي يجعل مقاطعة جلسات المجلس غير ذات قيمة أو مردود سياسي يتمثل أولاً بضعف المجلس الحالي أساساً، فلا يمكن أن يضاف إليه أي قيمة اعتبارية، تماماً مثلما حدث في استقالة عدد من نوابه في السنة الأولى من عمر هذا المجلس، كما أن قضية العبدلي مسألة خلافية وبشكل عميق في الشارع الكويتي، وقد يتسبب في رأي عام معاكس ومضاد، وبالإضافة إلى ذلك فإن هذه المقاطعة سرعان ما تنتهي وسيباشر النواب عملهم في الجلسة القادمة مباشرة، وهذا قد يبرهن أن الضغط السياسي على النواب كان هو الأقوى والأكثر تأثيراً، أو أن المقاطعة فشلت في تحقيق أهدافها، وبالنتيجة فإن الحرج والضعف السياسي هما ما سيلحقان بالنواب المقاطعين وجمهورهم الانتخابي.
«العريس الذي لم يقطع رأس القط في ليلة الدخلة» لا يمكن أن تهابه عروسه ولو قطع رأس ألف قطة طوال حياته الزوجية لاحقاً، وقد تبخرت العديد من الفرص على النواب، ليس المقاطعون اليوم فقط بل أغلب أعضاء المجلس الحالي لاستعادة هيبة المجلس أمام الحكومة، وخير دليل على ذلك المسلك والإنتاج التشريعي الراهن والاستجوابات العديدة التي لم يعد لها أي طعم أو رائحة!