فقط في الجمهورية اللبنانية، الرئاسة شاغرة، والحكومة مؤقتة إلى ما بعد الانتخابات البرلمانية القادمة، ومجلس النواب منتهية ولايته منذ أكثر من عامين وجدد لنفسه ١٨ شهرا وانتهت أيضا، ولكنه سيستمر فقط لحل القضيتين الأساسيتين والتي لا بد للبرلمان أن يتصدى لهما، وهي الرئاسة وقانون جديد للانتخابات البرلمانية.
يتمسك تكتل ٨ آذار أو حزب الله وحلفاؤه بمرشحهم الرئاسي العماد ميشال عون، بينما تكتل ١٤ آذار (تيار المستقبل وحلفاؤه) يصرون على مرشحهم سمير جعجع لرئاسة الجمهورية، بل حتى تعديل قانون الانتخاب عليه خلافات وإن كانت أقل حدة من مشكلة الرئاسة.
أكثر من ثلاثين جلسة برلمانية لم تعقد أو لم تصل لحل بين الفريقين، مما أدى إلى تعطيل مؤسسات الدولة ومصالح المواطنين، وربما مشكلة «القمامة» أحد مظاهرها، ناهيك عن الاحتقان الطائفي والاصطفاف الديني الذي يذكر اللبنانيين ببدايات الحرب الأهلية في سبعينيات وثمانينيات القرن الماضي.
حاول الحريري ترشيح زعيم المردة سليمان فرنجية كمرشح توافقي بينه وبين حزب الله بالتحديد، فالمعروف أن فرنجية حليف لعائلة الأسد السورية وتربطه معهم علاقات استراتيجية وليست صداقة فقط، ولذلك لن يرفضه تكتل ٨ آذار.
ولكن سليمان فرنجية ليس له نفوذ كبير بين المسيحيين في لبنان ولا يملك اكثر من 3 مقاعد في البرلمان الحالي، وربما لم يوفق الحريري باختياره لفرنجية لأنه سيكون صورة طبق الأصل للرئيس إيميل لحود أو ميشال سليمان وأقصد انه سيكون حليفا لسورية ومقربا لتكتل حزب الله.
أما خيار سمير جعجع المفاجئ لغريمه التقليدي العماد ميشال عون لرئاسة الجمهورية، فهو الخيار الأكثر واقعية سياسيا، فالعماد ميشال عون ليس حليفا أصيلا لحزب الله وتكتله ولا لسورية التي حاربته أيام الحرب الأهلية، إنما تحول اضطراريا إلى تجمع ٨ آذار بسبب رفض قوى ١٤ آذار لفكرة ترشيحه للرئاسة بعد اغتيال الحريري فيما يسمى باجتماعات البريستول في العام 2006.
كما أن الجنرال ميشال عون يتمتع بنفوذ كبير بين المسيحيين وسيكون خيارهم وليس خيار الآخرين وأقصد بالآخرين الطوائف الأخرى ككتلة المستقبل السنية أو حزب الله الشيعي؛ وبالتالي سيتمتع الجنرال باستقلالية كبيرة عنهم.
كما أن لشروط سمير جعجع التي ذكرها في خطبته التي أعلن فيها دعمه للجنرال، ومنها أن يعمل على ضبط الحدود اللبنانية ودعم الجيش الوطني وتطبيق سياسة النأي بالنفس عن الصراعات العربية، كل ما سبق هو ما ينادي به تجمع ١٤ آذار وهو بالتأكيد يتعارض مع مصالح حزب الله الذي مازال مستمرا في تدخلاته في الثورة السورية ويستفيد من ضعف الجيش والدولة في لبنان.
٭ ختاما: الحكيم سمير جعجع أثبت أنه اسما على مسمى، فحكمته تتمثل في تنازله عن ترشيحه للرئاسة وأما جعجعته فكانت بترشيحه لجنرال لبنان الحالم بالرئاسة.
وصفة حكيم لبنان ربما ستشفي بلاده مما أصابها من أمراض سياسية، وأما جعجعته فسيكون رحاها الجنرال ميشال وحبوبها حلفاءه في ٨ آذار.
٭ الخلاصة – يجب أن يستعيد المسيحيون قيادتهم لطائفته كما هو الحال في الطوائف الأخرى، لتعزيز استقلالية الرئاسات الثلاث عن بعضها البعض مع تعاونهما، فرئاسة البرلمان خيار شيعي مستقل لأنهم متعاونون، وكذلك رئاسة الحكومة تتحكم فيها الأغلبية السنية بكل استقلالية، أما مؤسسة رئاسة الجمهورية فلا تعتمد على التوافق المسيحي الماروني بل على تسويات سياسية من خارج الطائفة.