كثيرا ما نذكر ونتحدث عن بعض القوانين التي تحمل مصطلحات فضفاضة ومطاطية، وتخضع لعوامل كثيرة ومتعددة، وليس لديها أي معنى واضح ومحدد، ومن شأنها سلب حريات الأفراد والمواطنين.
فقانون الجرائم الإلكترونية، الذي دخل حيز التنفيذ الأسبوع الفائت، لم يُستثنَ من هذا الأمر في بعض مواده ونصوصه التي ذكرت عبارات كـ «خدش الآداب العامة»، على سبيل المثال.. هذه العبارة يمكن أن تستخدم لزجّ نصف المواطنين في السجون، كذلك بعض المواد التي تريد من الشعب أن يمارس لغة الصمت، أو يحرص على أن يكون في فريق المرضي عنهم، حتى لا تمس حقوقه، كما أشار أحد المسؤولين سابقا في مقابلة له، بمعنى «إن حبتك عيني ما ضامك الدهر».
وهذا القانون، وإن كانت أغلب مواده تقوم على حفظ خصوصية الأفراد وملكياتهم الإلكترونية – إن صح التعبير- من التلف والسرقة والاختراق، فإنه لا يمكن أبدا إغفال الجانب القمعي فيه، الذي يستهدف المغردين على وجه التحديد وحقوقهم الدستورية المتعلقة بحرية الرأي والتعبير، باعتبارها جرما يكلف صاحبه ركن جسده في إحدى زوايا زنازين الاعتقال والسجون.
فالانتقاد اليوم قد يعد مساسا بالشخوص، أو إضرارا بعلاقات الدولة الدبلوماسية، أو ازدراء للقضاء، أو تحقيرا للدستور، أو شتما وقذفا، حتى لو خلا من هذا كله، وهنا يكمن الخطر الحقيقي الذي سيواجهه الشعب في المرحلة القادمة، وخاصة مع الوضع السياسي المتذبذب والمشحون.
أما في الجانب الآخر، أعاني شخصيا مشكلة كبيرة في عدم فهم ما تلفظ به بعض نواب المجلس الحالي، عندما صرحوا بعلة تشريع هذا القانون «لتنظيم» الحريات!
فطريقة الترويج لمثل هذه العبارات المتناقضة أعطت انطباعا لدى البعض أنهم فتحوا «منهول» حرية الرأي والتعبير على آخره للمواطنين، في حين أنهم أقدموا على وضع قيود وضوابط على الحريات، أو يمكن القول إنهم أغلقوا جميع أبواب التعبير عن الرأي والكلمة، وأبقوا النوافذ مفتوحة، لكنها محاصرة بالسياج، فما لا يعلمه هؤلاء، أنه لا حرية رأي بضوابط، ولا قيود تنظمها، وعليهم كذلك أن يكفوا عن ترديد «سقف الحريات العالي لدينا»، لأنها تعادي الحريات لا تخدمها، حيث إن تحديد سقف للحرية، وإن علا، هو في حقيقته استحضار للقمع وكتم للأفواه.
نأمل ختاماً، أن تكون هناك تحركات جادة للطعن بهذا القانون وإسقاطه، والعمل على مزيد من الحريات، لا تقليصها، فلا نعلم إلى متى سنتفاءل خيرا بمستقبل يزداد يوما بعد يوم عتمة وظلاما.