من الواضح أن المنطقة تمر بمرحلة إعادة تشكيل، وإعادة توزيع مراكز القوى فيها، بتواطؤ دولي، تتحالف معه قوى إقليمية كإيران، التي ستُمنح دوراً رئيسياً مشابهاً للدور القديم باعتبارها شرطي المنطقة، في ظل غياب وتغييب كامل للشعوب التي بدأت بالتحرك ليكون لها دور في رسم مستقبلها، فإذا بقوى العالم تصطف لإجهاض ذلك التحرك الذي ستكون نتيجته الطبيعية الاستقلال عن هيمنة تلك القوى.
يبدو أن الحديث عن شرق أوسط جديد أصبح أقرب إلى التحقق، فقد صرّح مدير الاستخبارات الفرنسية برنار باجوليه في مؤتمر حول الاستخبارات نظّمته جامعة جورج واشنطن في 27 أكتوبر من العام الماضي بأن الشرق الأوسط الذي نعرفه انتهى إلى غير رجعة.. سوريا مقسّمة والنظام لا يسيطر إلا على ثلث مساحة البلاد، وتنظيم داعش يسيطر على المنطقة الوسطى، الأمر نفسه ينطبق على العراق، وليس هناك إمكانية للعودة إلى الوضع السابق، وان المنطقة ستكون مختلفة عن تلك التي رسمت بعد الحرب العالمية الثانية.
ما نشاهده اليوم يؤكد مثل هذا الكلام، فهناك ترتيبات تجري على قدم وساق لإعادة تموضع القوى الكبرى في المنطقة بما يحقق مصالحها على حساب الشعوب، وهنا تأتي إيران – التي تحتفظ برابع أكبر احتياطيات نفطية في العالم – لتضع لنفسها مكاناً ومكانة في هذه الترتيبات، فبعد الاتفاق الإيراني – الأميركي، وبعد رفع العقوبات عن إيران أصبح من الواضح أنه سيكون لها دور كبير في المرحلة المقبلة، وبمباركة الدول الكبرى.
يأتي تعاظم الدور الإيراني الإقليمي على حساب دول الخليج التي تشعر بالخذلان من جهة الولايات المتحدة الأميركية، فبمجرد إعلان رفع العقوبات عن إيران حققت أسواق الأسهم الخليجية خسائر حادة بنحو ستة في المئة، فضلاً عن خسائرها طوال العام بسبب تراجع أسعار النفط، ويضاف إلى ذلك توقعات بتسجيل صادرات النفط الإيرانية أعلى مستوياتها خلال هذا العام!
كل تلك المعطيات تجعلنا نفهم حقيقة الصراع الدائر في المنطقة، والذي يُراد له أن يسفر عن تمكين إيران من ممارسة دور كبير بشكل مباشر، أو من خلال حلفائها في الدول العربية، ومن ضمنهم ميليشيات الموت في العراق، وغيرها!
أسوأ ما في ذلك كله أن الأداة المستعملة في هذا المخطط هي الطائفية الدموية، التي تمارس أبشع الجرائم بدم بارد، وتقوم بهذا الدور ميليشيات الحشد الشعبي، وتنظيم داعش، حيث يمنح كل منهما المشروعية للآخر، وبذلك يتشكل شرق أوسط جديد بجماجم طائفية!