ردة الفعل على الأحكام القضائية (حكم أول درجة)، التي صدرت ضد ما عرف إعلامياً بـ “خلية العبدلي”، مع أنها ليست نهائية، والموقف الموحد الذي اتخذه النواب (الشيعة)، على اختلاف مشاربهم، أحدثت زلزالاً دمر أسس العمود الفقري للموقف الكويتي الرائع في السياسة الخارجية، الملتزم بالابتعاد عن الصراعات الإقليمية والعربية، وأخذ دور الأخ المحب الذي يساعد الجميع في حل الأزمات التي تشهدها منطقتنا العربية، وما أكثرها.
وقد كان هذا دوراً بارزاً ومميزاً في ما مضى، ما كان له الفضل في دعم تلاحم مكونات المجتمع الكويتي الممتدة لدول الجوار، الذي هو نتيجة لطبيعة تكوينه.
هذا كله انهار أمام أعين مَن عاش وعايش هذا العصر الذهبي للدور الإقليمي الكويتي، حيث قضى سمو الأمير عقوداً طويلة حارساً له كوزير للخارجية.. فمن الطبيعي أن ينتفض غضباً لما بدر من تصرف هذه الكتلة النيابية (الشيعية) في مجلس الأمة، فهذا التصرف يمثل طعنة في الظهر.
لا يمكن لأحد أن يتناسى التشدد الطائفي غير المسبوق، الذي أعمى البصر والبصيرة، بعد أن تسلم القيادة مَن هم أشد تطرفاً في أي صراع طائفي.
إن تخزين أسلحة والتدرب على استعمالها في الخارج، ومشاركة جهات غير كويتية، هي أمور غريبة ومرفوضة مجتمعياً، في كل تاريخ الكويت، فلم يحدث أبداً في السابق مثل هذا الأمر.
لقد عودتنا معظم الأنظمة العربية على محاولتها الدؤوبة والمستمرة لإجهاض كل جهد إصلاحي، ووصفه بأنه مؤامرة خارجية، بسبب عجزها عن مواجهة ومقارعة الحجة بالحجة، فحركات الإصلاح الوطنية الكويتية لديها خطوط حمر التزمت بها، رغم بعض الهفوات من قلة طائشة، وهذه الخطوط تتمثل في حب الكويت، والالتزام والدفاع عن دستورها ونظامها، وسلمية تحركاتها، ورفض العنف والتدخل الخارجي… هذه أمور مقدسة، لا خلاف عليها.
إن الذين يشككون في الإجراءات التي تمت، عليهم أن يبرهنوا على ذلك، خصوصاً أن مراحل المقاضاة لاتزال في بداياتها، وما نشاهده اليوم، هو انتقالنا إلى حلبة “الصراع الطائفي” المدمرة، التي ستمتد بالتأكيد عقوداً طويلة، من الممكن أن نفقد فيها هويتنا وريادتنا وحكمتنا في اتخاذ القرارات في ما يتعلق بشؤوننا الخارجية، ونصبح “أتباعاً”، لأن حجمنا عند “البعض” لا يُقاس حتى بالمقاييس الجغرافية، بعد تفكك لُحمتنا الاجتماعية، سلاحنا الأهم في حمايتنا، من ثم نفقد دورنا المميز.
المتزمتون والمتطرفون الذين يريدون تدمير الكويت بدأوا يزينون مواقفهم، بالحديث عن التمييز الطائفي وعدم المساواة في المناصب القيادية وغير ذلك.. فأين كانوا طوال هذه السنوات؟ وما الصفقة التي حصلوا عليها حين انضموا إلى الكتل الموالية للحكومة؟
نعم، التمييز موجود في الكويت، لكنه ليس موجهاً ضد الشيعة فقط، بل ضد الأغلبية الكويتية، وقد طال كافة الفئات المجتمعية الكويتية في أوقات عدة، وفق سياسة “فرِّق تسد”… فحتى التجار طالهم، وكذلك التجمعات القبلية، وغيرها من تجمعات أخرى ظهرت على السطح الآن، ما يدل على فشل الدولة في توفير الخدمات الأساسية التي يحتاج إليها المواطن، وهيمنة “نواب الخدمات”، الذين هم “حزب” الحكومة المفضل.
متى يدرك الجميع هذه الحقيقة، للعودة إلى الدور الأهم، وهو حماية الدستور، الذي لو ارتضيناه ودافعنا عنه وفرضنا على الجميع احترامه، لوفرنا على أنفسنا كل هذه المصائب والبلاوي؟
أما وقد وقعت الفأس بالرأس، وحلّت المصيبة، فإنه أصبح لزاماً على الجميع إيجاد مَخرج لما نحن فيه، إن كان ذلك ممكناً، وأي تحرك الآن يجب أن يتصدره العقلاء من الشيعة، وما أكثرهم، على الرغم من تهميشهم من قبل المتطرفين، فعليهم المبادرة، وأعتقد أن كل من يحرص على حماية الكويت ويطمح إلى أن تستعيد دورها الريادي سيكون عوناً لهم في هذا الجهد.
هل هذا ممكن في جحيم المعركة الطائفية والتسلل من الخارج إلى البيت الكويتي؟ نحن بحاجة إلى فدائيين يقتحمون هذا الجحيم، حتى لو أدى إلى حرقهم، لأن هذا الوطن يستحق التضحية.