كانت التوقُّعات تتحدث عن ارتفاعات قياسية في أسعار النفط، تشير إلى احتمال بلوغها 150 دولاراً للبرميل، وقد تعدت أسعار النفط فعلا الـ100 دولار قبل 7 سنوات، وظلت مستقرة عند معدل الــ90 دولاراً، حتى قبل 3 سنوات، وقد حققت الميزانية وفراً مالياً مجزياً في تلك الفترة، رحلت مبالغ منه لاحتياطي الأجيال، وتحسب تلك الخطوة لوزير المالية الأسبق مصطفى الشمالي، كما بددت مليارات حينها، غالبا، لإنفاقات أو مصروفات غير ذات جدوى، تمثّ.ل بذخاً وإسرافاً بلا رؤية أو تخطيط، بل وبلا حسن تدبير، على الرغم من النداءات المتتالية للاستفادة من مرحلة الوفرة لأوقات العجز، لكن «عمك أصمخ»! ودخلت الحكومة وبعض أعضاء مجلس الأمة في سباق الصرف ربما لشراء الولاءات واسترضاء الناس؛ طمعاً في سكوتهم عن النقد وتلهية لهم في حياة الترف المادي، وهو ـــ برأيي ـــ قصر النظر المفرط لدى الحكومة ومجلس الأمة آنذاك، فتوالت مسلسلات الكوادر وزيادة المرتبات وتفريخ مؤسسات حكومية جديدة وزيادة الإنفاقات الاستهلاكية، وكأن هناك من كان يوزع تركة البلد تمهيدا لتصفيته، وتسابقت الحكومة مع المجلس بمشروعات القوانين التي تمنح وتهب وتوزع الأموال بمشاريع واقتراحات هزيلة تورث سلوكا تبذيريا واستهلاكيا جديدا على ما سبق من سلوكيات أضرت البلد، حتى انني كتبت أنه لا يجوز من الناحية الدستورية أن تكون اقتراحات قوانين الأعضاء مزايا أو عطايا أو إعفاءات مالية للناس؛ لأن تلك قاصرة على الحكومة من جهة، ولا يجوز أن تتم بالتحايل على قانون الميزانية، ولكن مرة أخرى «عمك أصمخ»!
وها نحن الآن نعيش مرحلة العجز المخيف بعد أن انخفض سعر برميل النفط لـ20 دولارا، وهو بهبوط درامي وسريع، وفجأة بدأت تتكلم الحكومة عن ترشيد فعلي لإنفاقاتها وتمكّنت من خفض الميزانية 4 مليارات، مما يعني أن رصدها من البداية لم يكن جديا ولا مدروسا، كما تتحدث عن تخفيض الدعوم، وربما فرض ضرائب، وكذلك رفع أسعار استهلاك الكهرباء، لكن الحكومة حتى اللحظة لم تتصرف بما يليق بها ومسؤوليتها، فقرارها رغم الظروف المالية الخانقة لا يزال تائها، فأين مشروعها الاقتصادي لمعالجة الحالة الراهنة؟! كيف ستحافظ على أسباب المعيشة الطبيعية للناس، ومن دون أن تمس أصحاب الدخل المحدود والمتوسط، وتنجح في تقديم نموذج اقتصادي بآلية فعالة في ضبط هدر المحروقات وحلها بأسعار وفقاً لنظام الشرائح؟ وكذلك الشأن لرسوم الكهرباء، وفي فرض الضرائب ومراجعة الرسوم، وكسر احتكار الأراضي بفرض رسوم عليها وعلى عوائد الإيجارات، فهناك حلول فعالة تتوافر فيها العدالة والشفافية لا تحتاج الى عقول لتبتدعها ولا لدراسات لتبررها، إنما فقط الى قرار لتطبيقها، ويتزامن معها إلغاء كل مظاهر الإنفاق والبذخ بالمصروفات من أعلى المستويات لأدناها.