حمل لنا التاريخ الحديث الكثير، وهو الأفضل لعملية المقارنة بين أوضاع كانت موجودة قبل قرن على الأقل، وبين حالات تكررت يمكن الرجوع إلى مثيلها المدون بالقلم والصورة.
الشعوب الحية التي تعرضت كرامتها الوطنية للإذلال والقهر على يد قوات محتلة لم تلغ أيامها السوداء من الذاكرة ولم تجامل، مهما طال الزمن أو تشابكت مصالحها مع أعداء الأمس، في تفويت أي مناسبة تذكر الأجيال الجديدة بما حصل لوجودهم وجدودهم، وأي محاولة من الداخل أو الخارج للتقليل من أهمية أحداث مفكرة الآلام الوطنية تقابل بردة فعل عنيفة لا هوادة فيها.
هناك شعوب كثيرة جديرة أن تبقى أسيرة للماضي، لكنها عرفت كيف تتجاوز محنتها مثل الشعب الفيتنامي الذي قبل التعامل مع الفرنسيين والأميركيين، الشيء نفسه حصل مع الكوريين والصينيين الذين تعاملوا مع اليابان البلد الذي احتلهم وفعل فيهم الأعاجيب، الأمثلة كثيرة لكن النتيجة واحدة: شعلة التاريخ تمرر من جيل لجيل دون تهاون.
الكويت اليوم تجاوزت مرحلة الغزو العراقي وجميع الدول والشخصيات التي انحازت للباطل ضد حرب تحرير الكويت، وعلاقتها تبدلت مع الكثير من الأطراف خلال ربع القرن الذي يفصل بيننا وبين يوم الغزو الأسود، بعضها اعتذر، وبعضها الآخر ما زال الزعيم الذي يحكمه وأيد صدام هو نفسه الزعيم الذي يستقبل في الكويت بالأحضان.
ما دعاني لكتابة ما سبق هو الجيل الكويتي الذي ولد خارج الوعي بأحداث الغزو العراقي وشعر بالصدمة من تفاصيل أحداث الجزء الثالث من مسلسل “ساهر ليل”، وبدأ بطرح أسئلة مثل “هل فعلا حصل هذا الشيء؟”، ذلك الجيل ترك يسبح في الفراغ التاريخي ليكرر أخطاء جيلنا والأجيال التي سبقتنا نفسها في الانغماس في هموم بناء أوطان غير وطننا الأول والأخير وهو الكويت.
الأسئلة المستحقة الآن هي: هل قصّر الإعلام أو النظام التعليمي أو البيت في تنشئة الأجيال الكويتية بما يوازي الإدراك بأن ما حصل قبل ربع قرن هو اختفاء كامل للكويت من الخريطة؟ وأن العالمين العربي والإسلامي لم يكونا بالصلابة نفسها؟ وأن الدول الغربية الرأسمالية بقيادة أميركا شاركت في حرب تحرير الكويت؟ وأن الأحزاب الأيديولوجية فضل معظمها استمرار الاحتلال العراقي على مناصرة الكويت كرها في أميركا لا أكثر؟
في الختام، نقول نعم للسياسة ولغة المصالح المشتركة، والانفتاح على العالم، ودعم القضايا الإنسانية، وأيضا نقول لا شيء ولا قضية تستحق أن أختلف فيها مع كويتي آخر غير الكويت.