يكذب ويداهن وينافق من يعتقد أن الأوضاع الاقتصادية الراهنة والمرتقبة، بكل شدتها، ما هي إلا أوضاع اعتيادية ستكون دول الخليج العربي قادرة على تجاوزها بكل سهولة ويسر! وتسقط اجتهاداته الهشّة المجوّفة حين لا يتمكن من إسنادها بأدلة – على الأقل – تشير إلى وجود خطط استراتيجية على المديين القريب والبعيد لانتشال (الوطن والمواطن) مما هو فيه من ضيق وتضييق.
يفتري ويضلل ويخاتل من يريد منا كمواطنين أن نكون دائماً (كبش الفداء والتضحية) للسياسات الركيكة وبرامج العمل المهلهلة والمشاريع الفاشلة، وأن نشارك في دفع الثمن… الثمن الباهظ الذي فرضه علينا مستشارون وخبراء ومسئولون ونواب وشوريون ومؤسسات وفرق عمل لم تقم بواجبها على أكمل وجه في إجراء الدراسات الحقيقية وإصدار التقارير العلمية الدقيقة لقراءة الأوضاع في الماضي والحاضر والمستقبل.
من حقنا كمواطنين أن نتساءل: «ماذا بعد؟ ما هي الحلول التي ستعيد للاقتصاد الوطني عافيته؟ كيف سننهض من جديد؟ ومتى سنتخلص نحن كمواطنين من حمل الأثقال تلو الأثقال عاماً بعد عام في ظل محدودية الموارد وتدني مستوى الأجور؟ من الضروري أن يتخلص الوطن من كل عقل ويد حملت لقب (خبير أو مستشار) ثم لم نجد منهم إلا (انهياراً فاضحاً) في مرحلة خطيرة وحرجة تكبر السيطرة فيها لزيادة الدين العام وفرض الرسوم والضرائب ورفع الدعم عن سلع أساسية فيما الراتب هو ذاته، لا ندري، أيضحك هو علينا أم نحن من نضحك عليه؟
من حقي كمواطن أن تتحرك الدولة لإزالة كل ما أسهم في تعطيل مسار التنمية وأفشل الأفكار الرائدة وحلت محلها حلول الترقيع والطبطبة على الأكتاف، فيما لاتزال التقارير تتحدث عن حالات فساد وعبث بالمال العام وبالقوانين، ويأتي البعض ليستخدم منابر الدين والإعلام والتواصل الاجتماعي ليضاعف من خداع المواطن بتحليلاته وأفكاره الرخيصة التي لا تخدم الوطن ولا المواطن ولا هي أصلاً تخدم الدولة التي ينافقها بتلك الأفكار السطحية.
بالطبع، نؤمن بأن الرزق الكريم الطيب المبارك هو من عند الله سبحانه وتعالى وهو المتكفل سبحانه برزق وشئون عباده صغيرها وكبيرها، بل ونؤمن أن الإنسان البحريني قادر على العطاء وكسب لقمة عيشه وعيش عياله في أشد الظروف، ولكن هذا لا يعني ألا تكون لدى الدولة تصورات واضحة للخروج من هذا النفق المظلم… نعم، ليكن… دخلنا نفقاً مظلماً! ثم ماذا بعد؟ هل كلما تضاعفت معدلات الاقتراض ورفع الدين العام سيرافق ذلك مساراً لتنمية وتنويع مصادر الدخل للتمكن من تغطية الديون؟ وكيف؟ وهل هناك خطط واضحة لمنع إضافة المزيد من الأعباء على الأسرة البحرينية وإيجاد تسهيلات وبدائل تسهم في استقرار الوضع المعيشي؟
نحن كمواطنين نتطلع لأن تكون هذه الأزمة منطلقاً للبحث عن تحول وطني صريح وعميق ومؤسس على أركان قوية لطي صفحة الماضي بما فيها من خلافات سياسية وإخفاقات اقتصادية وتنموية، وبكل ما احتوته من تحديات على المستوى الاجتماعي والأمني والنسيج الوطني والجبهة الداخلية، هذا كله يتطلب رؤية تخرج عن حدود المنمقات والتلميع والتطبيل، وقراءة مجردة وواضحة في ظل البيانات الإحصائية التي تشير إلى أن المصاريف المتكررة في موازنة الدولة للعام 2016 يصل إلى نحو 2 مليار و483 مليوناً، فيما تُقدر إيرادات النفط عند 3 مليارات و158 مليون دينار على فرض أن سعر النفط عند مستوى 60 دولاراً.
نحن كمواطنين في حيرة من أمرنا! بلاشك، ونعم بالله وبرزقه ورأفته بعباده، لكن ليست تلك هي الزاوية التي يدندن عليها بعض الناس الذين يريدون للمواطن ألا يسأل عن الغد! وتزداد الحيرة والقلق حين نتساءل كمواطنين في ظل تردي الأوضاع: «كيف سنغطي احتياجات المعيشية الأساسية؟ كيف سيواصل أبناؤنا في الجامعات الخاصة الدارسين على حسابهم دراستهم؟ هل سيكون الراتب الهزيل قادراً على تغطية متطلبات المدارس والإيجارات والقروض المثقلة للكاهل والفواتير وغيرها؟ ثم السؤال الأهم: «نعم، سنكون مع الوطن في الضراء، ولكن، لماذا تجاهل من تجاهل المواطن حينما كنا في السراء وحين كنا نرى سعر برميل النفط يجاوز المئة دولار؟ لن نتحدث عن الماضي… حسنًا حسنًا… فمن الذين سيطمئننا ويحدثنا عن المستقبل… عن عيالنا… عن بارقة النور في الاتجاه نحو الإنتاج بدل الاستهلاك… التصنيع بدل الاستيراد… الترشيد المقوي لموازنة الدولة وليس الفساد المدمر لها… وأشياء كثيرة… كثيرة حقاً… كل عام وأنتم بخير، ولتكن سنة 2016 سنة الصراحة والحقيقة وحل الأزمات بوطنية مخلصة.