ابتداءً وحتى لا تلتبس الصورة فإنه من حق الدول أن تحافظ على أمنها وأمن مواطنيها، ولها كل الحق في سن ما تشاء من تشريعات للحفاظ على ذلك الأمن، بما في ذلك نظام عقوبات رادع.
إلا أن ذلك يشترط أن تتم تلك العملية في إطار الحفاظ على كرامات الناس وحقوقهم، ويأتي منع التعذيب وإلغاء الإعدام ضمن تلك الاعتبارات، وهو موضوع يستحق نقاشاً موسعاً نظراً لأهميته.
تعد الصين وأميركا والسعودية وإيران الأعلى في العالم في تطبيق الإعدام. وهي دول تضم توجهات فكرية ودينية وسياسية واقتصادية متباينة، فلا يوجد بينها رابط ديني.
جاء الاعتراض على إعدام السعودية 47 شخصاً من جهات عدة ومنطلقات مختلفة، بعضها مبدئياً ضد الإعدام وبعضها اعتراضاً على إعدام أشخاص محددين، ولم يكن على مبدأ الإعدام، وكان الانتقاد الإيراني الأكثر حدة بهذا الصدد، مع أن سجل الدولتين ليس مشرقاً، فحسب “العفو الدولية” أعدمت إيران ٧٤٣ شخصاً سنة ٢٠١٤، منهم ١٤ امرأة و١٣ حدثاً، كما أعدمت ٦٩٤ في النصف الأول من ٢٠١٥، فاعتراضها سياسي فقط. وفي السعودية وقبل هذه الدفعة، فإن ازدياداً ملحوظاً في الإعدامات كان ملحوظاً قبل الإعدامات الأخيرة، كما أن هناك الكثير من الانتقادات الدولية توجه إليها.
الإعدامات في الصين وأميركا كذلك عليها الكثير من الانتقادات، فالأخطاء كثيرة ومبالغ التعويضات التي تدفعها الحكومة بسبب الأخطاء فاقت عشرات الملايين، كما أنهم أعدموا أحداثاً ومعاقين ذهنياً. فإن كان هذا يحدث في أميركا، حيث الشفافية ووضوح المداخل والمخارج القانونية وحقوق المتهم والابتعاد عن المعايير السياسية للإعدام، فلا أظن أن الحال تنطبق على دول المنطقة، التي تقل فيها الشفافية وتتعالى الاعتبارات السياسية.
بالطبع نتحدث عن الإعدام الذي يتم عبر محاكمة، أما ما يسمى “الإعدام خارج نطاق القضاء” فحدث ولا حرج، تمارسه كل دول المنطقة، وعلى رأسها إسرائيل وغيرها، وإن بدرجات متباينة.
هناك وهم بأن الإعدام يؤدي إلى الأمن، وفي حالات الاحتقان السياسي يتحول هذا الوهم ليصبح جزءاً من خطاب الناس الذين يتساهلون قتل المناوئين عبر سن القوانين.
ولنتذكر جيداً أننا قبل ٣ سنوات، وفي ظل مجلس يفترض أنه إصلاحي، تسيطر عليه الأغلبية وحكومة جديدة، تم تمرير قانون يسمح للدولة بقتل وإعدام إنسان لمجرد أنه أطلق تغريدة، لا إرهاباً، ولا قصاصاً، ولا حرابة، ولا سطواً مسلحاً ولا اغتصاباً، فقط تغريدة. فلنا أن نتخيل لو تم تثبيت ذاك القانون وسمح للحكومة بتطبيقه، والحمد لله أن صاحب السمو الأمير رد ذلك القانون المعيب دستورياً.
إلغاء الإعدام صار ضرورة في كل الدول، فإن لم يكن ذلك ممكناً فقلصوا جرائمه وتشددوا في تطبيقه.