الحروب الطائفية المدمرة… لماذا؟
لماذا نستسلم لها، ونحن ندرك تماماً، أن أعداء هذه الأمة، من مستعمرين وصهاينة، هم المستفيدون منها؟
الموقف المحايد لا محل له من الإعراب في معركة طائفية مشتعلة، شعارها «عليَّ وعلى أعدائي يا رب».
لكن هل هذه الكارثة نزلت علينا من السماء مصادفة، أم أن لها جذوراً ضاربة في تاريخنا الطويل؟
مَن هي الأطراف الأساسية؟ وما دوافعها؟
هي أكثرية تضطهد أقلية، وعندما تأتي الأقلية للحُكم تبدأ بالثأر من الأكثرية، وحينما تعود الأكثرية للحُكم ترد الصاع صاعين… وهكذا ندور في حلقة مأساوية مفرغة، لا مكان فيها للعقل والتعقل والتسامح على طريقة المعلم الفذ نيلسون مانديلا.
في لبنان، مثلاً، جاء «حزب الله»، لينتقم ضد التمييز الذي لحق بالشيعة عندما كانت القرى الشيعية تقيم الاحتفالات حين يُعيَّن أحد أفرادها سائق تروماي!
موقفه المقاوم لم يمنعه من احتلال بيروت السُّنية والأشرفية المسيحية.
في سورية، كم عانى العلويون من تمييز أفقرهم وأذلهم، حتى صاروا يبيعون أطفالهم، لعجزهم عن إطعامهم!
وزاد الطين بلة إعدام زعيمهم الديني، الذي كانوا يسمونه «الرب». وأولاده الذين درسوا معي في ثانوية الجامعة الأميركية كانوا يُسمَّون «أولاد الرب»، وكانوا يقدمون أيديهم لمدير الثانوية الأميركي، مطالبين إياه بتقبيلها، كما يفعل الآخرون!
بالطبع، لم يطل بهم المقام في الثانوية وغادروها.
الأميركان عندما احتلوا اليابان حاكموا وأعدموا القادة السياسيين والعسكريين، كمجرمي حرب، إلا أنهم أدركوا أن تعرُّضهم للميكادو، إله اليابانيين، سيجعل الشعب كله يثور ضدهم، فلم يتعرَّضوا له.
نحن نرى اليوم ردة فعل العلويين في سورية عندما حكموا، فلا ترفُّ لهم عين، وهم يدمرون كل سورية، على مَن فيها، انتقاماً… بالطبع سيدفعون ثمن ذلك غالياً، ولأنهم يعرفون ذلك، يستميتون بالدفاع عن أنفسهم، كما نشاهد الآن.
في العراق نرى المأساة التي يتعرَّض لها السُّنة من قِبل الأكثرية الشيعية، التي عانت من الحكم السابق، فهناك فئات لا تقبل إلا بالانتقام، وهذا ما يعقّد الأمور، ويعطي «داعش» وأخواته الفرصة لاستغلال هذا الوضع المنفلت.
كثيرون فوجئوا بذلك، لمعرفتهم الصلات العائلية بين الطائفيين في العراق، إلا أنه في الحروب يتزعم المتطرفون القيادة، ويخسر العقلاء مواقعهم القيادية.
ولا ننسى دور المستعمر الذي احتل أوطاننا، فهو دائماً يعتمد على الأقليات، لتقوية قبضته على الأغلبية، وهذا يعمّق عداء الأكثرية للأقلية، ويخدم سياسة «فرق تسد» الاستعمارية.
لا أريد الإطالة في استعراض نفس أسباب التوتر في بقية الدول الأخرى بأمثلة عشتها بنفسي، فأنا لست أستاذ تاريخ.
نحن الآن نشاهد حرباً ستتبعها حروب أخرى، والحل واضح، لكنه يحتاج إلى عقل نيّر قادر على الاستفادة من الآخرين، كسويسرا وألمانيا وبريطانيا، وحتى أميركا، وهو النظام الذي يعطي الحق الكامل للأقليات في حكم نفسها بنفسها، ضمن دولة فدرالية ديمقراطية تحترم الإنسان وحقوقه، في إطار حكومة مركزية قادرة على الدفاع عن الدولة كلها من خطر خارجي أو داخلي يخلُّ بالتوازن الموجود.
هذا هو الحل الحضاري القادر على هزيمة المخطط الصهيوني الاستعماري، الذي يعتمد على مبدأ «فرّق تسد»، للسيطرة على المنطقة.