أكد وزير الاعلام، أثناء زيارة له لمركز الكويت للتوحد، أهمية المركز ودوره في تحقيق الهدف الذي تسعى اليه الكويت، لتكون مركزا انسانيا. وبالرغم من أهمية كلمته، فإن بلوغ هذه المكانة، حتى محليا، ليس هينا، وقد تكون العملية الجراحية، الدقيقة والخطيرة، التي أجراها مؤخرا الدكتور العوضي لمريضة فلبينية، والتي استأصل خلالها ورماً من رأسها بحجم البرتقالة، يصب في هذا الاتجاه، ولكن هذه النجاحات الفردية، بالرغم من أهميتها، لا تكفي في غياب قرار ودور مؤسسي لجعل الكويت مركزا للإنسانية، ولو إقليميا. فممارسات الكثير من الجهات التشريعية والأمنية والاجتماعية لا تقول ذلك. مهم أن تقوم الكويت بصرف 50 ألف دولار على الأقل لعلاج وافدة، ولكن عملها الإنساني سيضيع إن تعرضت تلك الوافدة للإهانة، لسبب أو لآخر. وبالتالي فإن «أنسنة» المجتمع يجب أن تكون عملاً مؤسسياً وجماعياً. فمن الخطأ الجسيم، وغير الإنساني مثلا قصر شرف منح جنسية الدولة على اتباع ديانة واحدة، حتى لو كانوا أميين، وسيكونون حتما عالة على الدولة في كل شيء، وحجبها في الوقت نفسه عن عباقرة وأطباء كبار، لأنهم غير مسلمين، وهم مفخرة لمن يحتضنهم.
ولو عدنا لكتب تاريخ الدول والإمارات الإسلامية، وخاصة في بغداد والشام والاندلس، لوجدناها تزخر بأسماء شخصيات يهودية ومسيحية حظيت ليس فقط بالمواطنة، بل وبإدارة الكثير من شؤون الدولة، ووجودهم في مناصبهم الرفيعة تلك لم يؤثر في عقائد المسلمين، فكيف يمكن على ضوء آلاف الأمثلة من مصر وبلاد الشام والمغرب العربي، ان نصدر قانونا ونعتقد أن بصدوره «نحصن» الدين من الاندثار؟ ألم يكن هؤلاء المسيحيون واليهود، طوال التاريخ الإسلامي، من عظام الرقبة واقرب من حبل الوريد. كما أن لدينا في العالم الإسلامي، وفي الكويت بالذات، كفاءات نادرة وشخصيات يفخر المرء بمعرفتها. كما أنه ليس هناك من رد على ما يتعرض له مسيحيو الشرق من قتل وتهجير وتدمير لممتلكاتهم وحرق لبيوتهم، غير منح المميزين منهم جنسية الدولة، لتصبح الكويت بالفعل مركزا للإنسانية، وهذا بطبيعة الحال لا يمكن أن يحدث بغير إلغاء القانون المجحف الذي يمنع تجنيس غير المسلمين.
وفي الاتجاه نفسه سرنا الطعن، الذي تقدم به عضو مجلس الأمة نبيل الفضل قبل ايام إلى المحكمة الدستورية، بشأن قانون التعليم المختلط، مطالبا بأن تصدر حكماً في هذا الشأن بما يتوافق مع أحكام الدستور. فهذا القانون لا يفتقد فقط لكونه غير عملي وغير منطقي، بل يفتقد الإنسانية بتشكيكنا في نوايا ابنائنا، وزرع الشك في نفوسهم من الطرف الآخر.