يُعقد اليوم وغداً في الكويت مؤتمران للمانحين لسورية، الأول خاص بالمنظمات الدولية غير الحكومية والأممية العاملة في المجال الخيري والإنساني، والثاني للدول والهيئات المانحة لدعم البرامج الإنسانية في سورية.
وبصرف النظر عن الشقين السياسي والعسكري، فإن الوضع الإنساني في سورية وصل إلى أرقام قياسية، حيث يعاني أكثر من 12 مليون إنسان بين مشرد ونازح داخل سورية أو غيرها، وتعد من أكبر الأزمات عالمياً في التاريخ المكتوب، ولذا فإن انعقاد المؤتمر يشكل مسؤولية الحد الأدنى يتحملها المجتمعان الدولي والإقليمي اللذان فشلا في إيجاد مخرج وحلّ سياسي للأزمة الطاحنة بشقها العسكري والسياسي والإنساني.
وخلال العشرين سنة الماضية تمت الدعوة إلى ما يزيد على 20 مؤتمراً للمانحين لدول مختلفة كالصومال وأفغانستان والعراق وغيرها. وكمراقب ومشارك في العديد من تلك المؤتمرات كان ملحوظاً أن الكثير منها كان يكرر الفشل في وفاء الجهات بتعهداتها، ما يعقّد الوضع المأساوي ولا يساعد على حل الأزمة. وفي الغالب لأن تلك المؤتمرات ذات رؤية قصيرة النظر، وتغفل البعد التنموي.
وربما كان النموذج الناجح الأمثل للتعامل مع مجتمعات مدمرة، أو حروب طاحنة، هو مشروع مارشال للنهوض بأوروبا المدمرة بعد الحرب الكونية الثانية، إلا أنه منذ ذلك الحين لم يعقد مؤتمر مانحين يحقق نجاحاً قريباً من ذلك.
مؤتمر الكويت هو الثالث من نوعه بشقيه الحكومي وغير الحكومي. إلا أن الملاحظ هنا أن مؤتمرات الكويت تكاد تكون الأكثر نجاحاً على مستوى تاريخ سياسة المؤتمرات المانحة من حيث الالتزام بالتعهدات وهي تحسب للكويت. ففي المؤتمر الأول في يناير ٢٠١٣ بلغت تعهدات المنظمات الدولية غير الحكومية ١٨٣ مليون دولار، والدول المانحة نحو مليار ونصف المليار كانت مساهمة الكويت منها ٣٠٠ مليون دولار، تم دفعها بالكامل لمنظمات الأمم المتحدة.
أما في المؤتمر الثاني في يناير ٢٠١٤ فقد تعهدت المنظمات غير الحكومية بـ ٢٧٦ مليوناً، وأنفقت فعلياً ٣٤٨ مليوناً لأعمال الإغاثة.
أما الحكومات فتعهدت بقرابة المليارين ونصف المليار دولار، كان نصيب الكويت منها ٥٠٠ مليون دولار.
وعلى الرغم من الملاحظات التي نعرفها حول أداء وطريقة إنفاق العوائد المالية، فإن المؤتمرات الإنسانية تمثل عنصراً إيجابياً في السياسة الدولية، ولربما يتم عقد مؤتمر مانحين لليمن، بعد انتهاء قعقعة السلاح، فبصرف النظر عن أين وكيف ستنتهي نتائج الحرب المستمرة في اليمن منذ زمن، فإن معضلة اليمن هي الفقر، وأنه صار مستلباً، وتحوّل من يمن سعيد، كما كنا نطلق عليه، إلى اليمن الفقير.