إن التغيير أمر حتمي وضروري، مع أنه عملية مستمرة ومتجددة وهو بذلك يتناسق مع طبيعة الأمور والأشياء فالحياة في طبيعتها متجددة ومتغيرة ومن ثم فإن المنطق يفرض علينا التغيير باعتباره أحد مظاهر الحياة، أي أنه قاعدة طبيعية وليس استثناء، فعالم اليوم سريع التغيير في كافة المجالات «السياسية، والعلمية، والتكنولوجية، والاتصالية، والتشريعية، والسلوكية، والمؤسسية.. وغيرها»، وتتأثر الدول متقدمة كانت أم نامية بهذا الواقع السريع المتغيير.
أنماط الحياة الشخصية والقيم تتعرض للتغيير، وهذا بدوره يؤدي إلى إحداث التغيرات الحضارية، فالتغيير في أبسط صوره يعني التحرك من الوضع الحالي الذي نعيشه إلى وضع مستقبلي أكثر كفاءة وفاعلية، وبالتالي فالتغيير هو تلك العملية التي نتعلم فيها ونكتشف الأمور من خلالها بصورة مستمرة.
دائما ما نسمع كلمات معوقة في وقعنا الذي نعيش فيه وهي أكبر معوق للتغيير الإيجابي منها «لا تحرك ساكن، والله لايغير علينا، إلي تعرفه أحسن من إلي ما تعرفه».
بعث الأنبياء للبشرية ليصنعوا التغيير الذي يريده الله سبحانه وتعالى في إنسان هذا الكوكب، وظل قادة العالم في شتى المجالات يبحثون عن التغيير الإيجابي والعميق للعالم من خلال وضع قطار البشرية نحو المسار الصحيح بعد طول انحراف وتخبط وحيرة.
فرصة التغيير تأتي متنكرة لا يكتشفها إلا من هو جاهز لإستقبالها بالمبادرة والإقدام والجهد والعمل، وكما يقال لا يمكن أن تشفى من الألم بلا تغيير ولا يمكن أن تصل لمبتغاك دون أن تصطف مع الناس في محطة التغيير، فالجمود يعني النهاية، وتوقف قطار التغيير يعني الإفلاس، وغياب المراجعة يعني تقديس الخطأ وتمجيد الإستسلام، ما أقسى أن ينمو كل من حولك وأنت تتلاشى.
التغيير الحقيقي يبدأ من الداخل فيشع النور والسمو لينعكس ذلك عليك في الخارج، فيقول الله تعالى في محكم التنزيل (( إنَّ اللهَ لا يغيّرُ ما بقومٍ حتى يُغيروا ما بأنفسِهِم)) فالبشرية لم تعد تتكلم عن التغيير الإيجابي لأنها فكرة مسلم بها لكن يكمن الإهتمام الآن في سرعة هذا التغيير ومواكبته لعجلة الحياة في عالم تتضاعف فيه العلوم والمعارف كل 8 أشهر بعد أن كانت تتضاعف كل 35 عام.
في عالمنا الواسع هناك 15% من الناس يطالبون بالتغيير و 15% يقاومون أي تغيير، أما 70% المتبقية يتبعون من غلب، وتلك هي جمهورية الأغلبية الصامته، يقال في الأثر أن التغيير ليس مرتبط بعمر أو فئه أو جنس أو عرق، فعندما تتغير كفرد أو مجتمع فإنك تولد من جديد.
هناك الكثير من لديهم هاجس التخلص من السلبيات والأوضاع التعيسه لكن قله من يعمل لذلك التغيير وهم المتنعمون ببلاط السعادة والسلام، الفكرة التي لا تصقل تموت، والمشروع الذي لا يتطور يتدهور، والوصول للقمه سهل ولكن البقاء عليها يحتاج إلى عين لا تنام وفكراً لا يهدأ، ورح لا تعرف الإستسلام، فالتغيير لا يعني الفوضى، ولا يعني التقليد الأعمى، ولا يعني أخذ القشور وترك الجوهر، ولا يعني نسف المقدسات والتفريط بالهوية، بل هو حالة من التطوير الدائم والمكاشفة الجريئة.
قرار التغيير قرار تاريخي، يعني الولادة من جديد فلا تتأخر فيه فهو علامة قوة وإنتصار. قرر عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- أن يتغير فتحول من إنسان يعبد صنماً من التمر إلى زعيم أمة، وقرر عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه- أن يتغير فتحول من راعي للغنم إلى فقيه عصره، وقرر العز بن عبد السلام أن يتغير فطلب العلم متأخراً وهو في 51 من عمره ومات بعد 30 عام وهو سلطان العلماء ومجدد القرن. وقررت شركة نوكيا أن تتغير فتحولت من شركة أخشاب فاشلة إلى شركة إتصالات عابرة للقارات، وقررت كوريا الجنوبية أن تتغير فتحولت من ثاني أفقر بلد في العالم إلى قلعة عالمية للتكنولوجيا والصناعة والعلوم. عاشت جنوب أفريقيا أسيرة العنصرية فقررت أن تتغير فصارت واحة للتعايش والحرية، وقررت تركيا أن تتغير فتضاعف دخل المواطن التركي 5 أضعاف في عشر سنوات، كان غاندي يقول «كن أنت التغيير الذي تريد أن تراه في العالم» وأنا أقول بأن التغيير..«إرادة».