سرعة تطور الأحداث في اليمن تفرض التعاطي مع مستقبل هذا البلد بعقلية سياسية مختلفة، قائمة على بناء الثقة وطيّ صفحة الماضي ومراعاة الأوضاع الإقليمية والدولية الراهنة، ودول مجلس التعاون معنية بالدرجة الأولى لهذا النوع من التعامل لأسباب في غاية الأهمية، فاليمن يعد الحديقة الخلفية لمنطقة الخليج وشبه الجزيرة العربية، بالإضافة إلى أن المكونات السياسية والقبلية والمذهبية داخل هذا البلد المنكوب لها امتدادات إقليمية لا يمكن نكرانها.
دول الخليج وخصوصا المملكة العربية السعودية راهنت على الحصان الخاسر في الأشهر الأخيرة، إما لقصر في النظر أو لحسابات سياسية تتعدى حدود اليمن، وفي كلتا الحالتين فإن رياح التغيير السريع قلبت الكثير من المعادلات لغير الاتجاه الخليجي، وحتى المبادرة الخليجية التي تباطأت السلطة الانتقالية في تنفيذها برعاية الأمم المتحدة دفنت بين ركام سقوط عدن، وهي آخر معاقل الرئيس اليمني هادي.
الواقع اليمني الجديد يجب احتواؤه ورعايته، فرغم هشاشة جبهة عبد ربه منصور هادي والهالة الإعلامية المصطنعة التي أعطيت له، بدليل سقوطه في أقل من 24 سنة، وعلى الرغم من سرعة تداعيات الأحداث، فإن الموقف العام لا يزال قابلاً للحلول السياسية وما زال هناك دور خليجي يمكن استثماره، أما محاولات إرجاع عقارب الزمن إلى الوراء فلا تزيد الأوضاع إلا تعقيداً، وربما الزج بالشعب اليمني إلى أتون الصراع الأهلي.
الوضع الأمني المعقد لم يمنع استمرار الحوار بين مختلف القوى اليمنية، فالحوثيون والمؤتمر الشعبي وجبهة الإصلاح الإخوانية والسلف والحراك الجنوبي قطعوا شوطاً في الحوار، ولا يزالون يرحبون باستمراره، وكلما قربت خطوة الشراكة الفعلية في وضع ملامح مؤسسات دستورية لقيادة البلد كانت آفاق الاستقرار والتعايش السلمي أقرب للواقع، فالعقل والمنطق وتوازنات القوة تمنع أي طرف من الاستفراد بالسلطة، وأن النموذج الديمقراطي بشراكة سياسية هو الحل لكل مشاكل اليمن، في حين الاستنجاد بالخارج خصوصا عسكرياً أمر لن يقبله معظم اليمنيين بدليل الموقف الحاسم الذي اتخذه الجيش ضد الرئيس هادي، ودعوته لغزو بلاده عسكرياً.
دول الخليج باستطاعتها العودة إلى المشهد عبر رعاية الحوار اليمني نفسه لا عبر الانحياز لطرف على حساب آخر، وحتى إذا كان هناك تحفظ من بعض الأطراف اليمنية على الرياض أو الدوحة فإن مسقط أو الكويت قد تكون بديلاً ناجحاً كجسر جديد بين مجلس التعاون واليمن.
الهاجس الإيراني يظل الرقم الصعب في معادلات التحول الجديد في اليمن من المنظور الخليجي، لكن التمدد الإيراني يعتمد على الموقف الخليجي نفسه، ويفترض أن تستوعب دول مجلس التعاون الدرس العراقي، فقد أهمل العراق وترك فريسة للتطرف والإرهاب حتى أعلن قيام دولة “داعش” على أرضه دون أن يحرك الخليجيون ساكناً، فلجأ العراقيون إلى إيران، وها هم يحصدون ثمار دحر “داعش” من مدينة لأخرى، مع أن تهديدات “داعش” للكويت والسعودية انطلقت من تكريت والموصل!
اليمن اليوم ورغم تناقضاته الداخلية فإن تغلغل تنظيم “داعش” في جنوبه تحديداً كفيل بأن تكون دول الخليج من الداعمين الأساسيين للعهد الجديد فيه، والذي يتبتى مواجهة هذا التنظيم كأحد أولوياته، ليس من أجل عيون الحوثيين أو حتى لوقف النفوذ الإيراني بل لحماية نفسها من انتقال “داعش” إلى حديقتها اليمنية كبديل بعد طرده من سورية والعراق!
ليتهم يرون هذا المقال بعين الاعتبار
يحاربون الطائفيه وهم من ألفها