لست مع السيد وزير الاشغال في تقديم استقالته. ولست مع او حتى آخذا بالاعتبار مزاعم وادعاءات اصدقائه ومحبيه بانه كان مستهدفا منذ توليه الوزارة وان الاستجواب الذي قدم له هو لوقف وتعطيل اجراءاته الاصلاحية. لست مع اي من هذا لاسباب عديدة.
فالزعم بان السيد الوزير كان مستهدفا منذ دخوله الوزارة ينفي مزاعم معاداته بسبب نهجه الاصلاحي. ربما يكون قد استهدف لشخصه او لماضيه ولكن ليس لانه اصلح ورمم في الوزارة. والزعم بانه قدم استقالته لان نواب المجلس لم تعجبهم اصلاحاته ونشاطه العملي داخل الوزارة لا يستقيم البتة مع النهج الاصلاحي المزعوم والرغبة في فرض التطوير والتجديد في الوزارة. ما الذي كان ينتظره الوزير وهو يقلم مخالب الفساد ويستأصل ايادي العبث والهدر والتزوير في وزارته. هل كان يحلم بان يكون طريقه سهلا وان يبقى مرحبا به وان يلقى التشجيع من الجميع؟!
الوزير المصمم على الاصلاح ومواجهة الفساد، كان عليه ان يواجه قوى الفساد خارج الوزارة قبل داخلها. وان يتحدى ويتصدى لقوى العبث سواء في مجلس الامة او خارجه. فهذه هي الطريقة الوحيدة لمجابهة الفساد وهي السلاح الفعال في محاربته. ان الاستقالة بهذه الطريقة تشجع وفي الواقع تحض على الفساد وتجعل من ممارسته عملا سهلا ومأمونا وخطى كل يوم. بينما مجابهته ومحاولات كشفه تثبط من عزيمة قوى الفساد وتقلص من امكانات تعميم الفساد وحشد ممارسيه او المؤيدين لمن يواصل القيام به.
الغريب، او في الواقع المستنكر ليس استقالة الوزير. لكن الغريب هو قبول مجلس الوزراء لها. استسلام الوزير امر مفهوم وربما مقبول. لكن ان تستسلم الحكومة باكملها وتحت دعاوى قوة ضغط الفساد والمفسدين. فهذا يعني اعترافا صحيحا وصريحا بعجز الحكومة وتوافقها مع قوى الفساد والتخريب ان لم تكن هي ذات القوى التي تمارس التخريب وتتبنى الفساد بدلا من محاربته.
كان على الوزير لو كان جادا كما الزعم في محاربة الفساد ان يستمر في المواجهة. ربما لن يصيب المفسدين في مقتل ولكن على الاقل كان من الممكن او المفروض ان يبطئ تقدمهم او يعرقل بعض الشيء جهودهم. وذات الشيء ينطبق على الحكومة.. فمواجهة الفساد والمفسدين قد توفر على البلد المال في، الوقت الحالي، والجهد في المستقبل… بينما الاستسلام يضاعف التكلفة ويطيل امد المواجهة.