«اقرأ باسم ربك».. هي العبارة التى استهل بها المولى عز وجل، قرآنه الكريم ورسالته الخاتمة إلى العالمين، ليشكل الوحى منطلقا للعقل والعلم والمعرفة، وعلى هذا الأساس قامت حضارتنا وتفاعلت شعوبنا مع جميع أمم الأرض أخذاً وعطاءً.
لكننا ابتعدنا منذ قرون عن القراءة، فلم نعد من منتجى المعرفة والعلوم، وتراجع دورنا الحضارى وتردت أوضاعنا على جميع الأصعدة، واليوم لدينا قطاعات واسعة من الجماهير حُرمت من أبسط مقومات الحياة وجُردت من أبجديات الهُوية والثقافة، ولدينا مدارس وجامعات تقتل الإبداع وتزرع قيماً سلبية وتُخرج أنصاف المتعلمين، وتحاصرنا أجهزة إعلام تجارية، تفتقد الحد الأدنى من المهنية والمسؤولية.
لا أعرف إن كانت لدينا فى مثل هذا الجو السياسى المرتبك خطة للنهوض بالتعليم والمعرفة.. البلاد تحتاج إلى فرق عمل متخصصة ومتفرغة تفكر في كيفية المساهمة في رفع وعي الأجيال المختلفة وزرع ثقافة النهوض واستعادة الروح الحضارية فى مجالات الفكر والثقافة المختلفة وفي شأن مختلف القضايا المجتمعية والاقتصادية والسياسية والدولية.. هذه قضية وطنية جامعة يجب أن نعزلها تماماً عن خلافاتنا السياسية، ونهتم بها بشكل علمى بحت، ونُسخر لها كل الإمكانات المادية والبشرية والمؤسسية.
من الأفكار التى تستحق التأمل والتفكير هنا فكرة إيصال الثقافة والفكر من خلال قنوات الإعلام وتكنولوجيا الاتصال الحديث، من خلال تحويل أمهات الكتب الفكرية والثقافية والتربوية بل والأحداث والقضايا ذات الأهمية فى مجتمعاتنا إلى مواد تثقيفية وفكرية وإعلامية، مكتوبة ومرئية، تنقل خلاصة كتاب أو رواية ما أو أهم محاور وأبعاد قضية ما كـ «قضايا الفقر أو تهويد القدس أو الحفاظ على البيئة أو مضامين مفهوم محدد كمفاهيم الهُوية أو الدستور أو الرشد الاقتصادي أو القناعة» إلى الطالب بشكل عصري جذاب ككتب مختصرة أو كفيلم تسجيلى قصير أو فيديو توضيحى قصير.
في هذا العصر هناك اعتماد متزايد على الإنتاج المرئى الذى يُوصل الرسالة المستهدفة بشكل سريع وجذاب وفي متناول الجميع، وفي الغرب والشرق أمثلة كثيرة. ولدينا في واقع الأمر بعض المحاولات فى مجال الفيديوهات، لكن ينقص الكثير منها الرؤية الكلية والعمق والاستمرارية.
لقد ضعفت الثقافة العامة لدى الشباب، وهناك فى واقع الأمر تسرع فى الحصول على المعلومة دون تدبر أو عمق. ولم يتعود الشباب على القراءة، وهم يفضلون الآن أدوات الإعلام الجديد كبديل عن الكتب. وهذا يتطلب جهداً غير عادي وغير تقليدى للمساهمة في دفع الشباب إلى الاهتمام بالثقافة والقراءة وتراكم المعرفة.
فى مقررات طلاب المرحلة الأساسية بالتعليم الأجنبى كتب مختصرة لأمهات الكتب الأدبية والفكرية فى شكل جذاب للغاية،
فلماذا لا تقوم وزارة التربية بمشروع مماثل، ربما فى مرحلته الأولى يستهدف اختصار مجموعة من 50 كتاباً من أمهات الكتب التراثية والفكرية والثقافية العربية ومن السير الذاتية للأعلام العرب، وطباعتها وتوفيرها للمكتبة العربية، وإدخال المناسب منها فى مقررات المراحل المختلفة للتعليم.
في المثل الصينى حكمة بليغة تقول «إذا كنت تخطط لعام واحد فازرع الأرز، وإذا كنت تخطط لعشرين عاماً فازرع الشجر، وإذا كنت تخطط لمائة عام فعلِّم الناس».
ولكن كما يقال:
لقد أسمعت لو ناديت حياً
ولكن لا حياة لمن تنادي
*مقال مشترك مع استاذ العلوم السياسية في جامعة الاسكندرية المصرية د.عبدالفتاح ماضي