في رسالة تحمل مضامين مهمة، وردتني من أحد الآباء المهتمين بالشباب والناشئة، أجد التحذير الذي أورده في الرسالة مهماً للغاية ولابد من أن نتأمله وهو: «في المجتمع البحريني، لا يمكن الاكتفاء بالحديث عن تاء الشباب أو بائها، نحتاج إلى خطط حقيقية وفرق عمل ودراسات علمية ذات جدوى، والأهم من ذلك، أن تكون أبواب المسئولين في كل الجهات الحكومية مفتوحة للشباب، فلديهم الكثير الكثير ليطرحوه أمام المسئولين. لكن للأسف، الكثير من تلك الأبواب مغلقة أمامهم، ومفتوحة على مصراعيها في التصريحات الصحافية وفي لقاءات التلفزيون».
هي حقيقة مؤلمة… لكنها الحقيقة، فالشباب في بلادنا يعيشون وضعاً سيئاً للغاية يقودهم إلى الإحباط! هكذا جاءت الكثير من الردود تعقيباً على المقال السابق «الشباب… قنابل الأمة»، ووجدت أن الطامة الكبرى هي أن فئة الشباب في البحرين يحتاجون مساحة حقيقية يصيغون فيها واقعهم ويرسمون مسار المستقبل، ولابد للجهات المعنية أن تنهض بمسئوليتها في هذا المجال.
لابد من الاقتراب من أوضاع الشباب بصورة واقعية مجردة من سياقات الأحلام الوردية ذات الصبغة الإعلامية البحتة، ولا يبالغ المعنيون بالشباب حين يقولون أن حالة من «الضياع» التي تعيشها نسبة كبيرة من الشباب لربما سترفع مستقبلاً من معدل إصابتهم بالإكتئاب والأمراض النفسية على اختلافها. والأخطر من ذلك، أنها ستخلق فئةً متصادمةً مع المجتمع، ورافضةً للقيم والتقاليد وهاربةً من الحياة.
فئةٌ كبيرةٌ من الشباب في البلد، لم تعد راغبةً في الدراسة ولا في التفكير في المستقبل! وليست صورة عدد كبير منهم وهم يسهرون حتى ساعات متأخرة من الليل في المقاهي رغم أن يوماً دراسياً ينتظرهم في الغد، هي الصورة التي تعطي حقيقة أوضاع الشباب، بل توزعهم في المجمعات التجارية وفي الإسطبلات وفي الأسواق حتى أثناء الدوام المدرسي، يجعل الخوف على مستقبلهم أمراً حتمياً.
وجدت نسبة كبيرة من الشباب، وقد تأثروا كثيراً بالمغيبات.. فما من مصاعب تواجه بعضهم في الدراسة، وخصوصاً في المرحلتين الثانوية أو الجامعية، حتى تجد البعض يعيد سبب المشكلة إلى الحسد أو إلى إصابته بمسّ من الجن، أو يعتقد بأن هناك من عمل له (عملاً) وخبّأه في مكان ما، وذلك العمل، وربما فيه سحر، أثّر على حياته كثيراً! والمشكلة الأصعب، هي أن البعض منهم تجده وقد استسلم تماماً للفكرة التي أصبحت تسيطر على حياته لتقلبها رأساً على عقب.
أود أن أقول للجهات المعنية في البلاد، وأولها وزارتي التربية والتعليم والتنمية الاجتماعية، والمؤسسة العامة للشباب والرياضة، أن فئة الشباب المثقف الذي ينضم إلى الجمعيات واللجان الشبابية، ليست هي النموذج الحقيقي للغالبية العظمى من شباب البلد! هناك الآلاف من الناشئة والشباب الذين يتوجب إنقاذهم عبر تنفيذ مشاريع وبرامج موجهة للأسرة البحرينية عموماً وفئة الشباب والناشئة خصوصاً. ويتوجب على الدولة تنشيط الأندية والمراكز الشبابية والمرافق التي يمكن أن تستقطب عدداً كبيراً من الشباب المتسكّعين في كل مكان وفي كل زاوية اليوم في البلد.. الآلاف من شباب القرى الذي تتلاقفهم المخاطر هنا وهناك، لم يعد لدى غالبيتهم شعور بأن الدراسة ستنفعهم يوماً، والفكرة الأخطر التي بدأت تترسخ في أدمغتهم هي أن طريق البطالة مفتوحٌ أمامهم بلا نهاية!
وحسناً فعلت بعض المراكز الشبابية والجمعيات واللجان، حين شرعت بتنظيم دورات تدريبية ومحاضرات للشباب في مجال اكتساب المهارات وتكوين الشخصية، وفي التخطيط للمستقبل؛ وتنظيم دورات أخرى في مجال تجاوز الأزمات النفسية وتغيير الأنماط الخاطئة، وخصوصاً في شأن تحسين النظرة إلى الحياة. لكن الكثيرين من هذه الفئة يحلمون بحياة كريمة… درسوا وتعبوا ويأملون في وظيفة محترمة براتبٍ مجزٍ تسند حلمهم في الزواج وتكوين أسرة، بعيداً عن شبح القروض والديون التي يرون أهلهم اليوم وهم يتعرضون لقصف ثقلها المرهق.
الشباب مسئولية. الشباب هم الأمل. الشباب هم أفق الوطن ومستقبله. هذا صحيح، لكن لا يجب أن يكون صحيحاً فقط في سياقه الإعلامي البهرجي، ولا نراه على أرض الواقع.