كان صراع الإنسان الأزلي مع الطبيعة، بهدف التحرر من قيودها ليجعل حياته أقل صعوبة، وأكثر أمناً واستقراراً ورخاء.
هكذا تعامل الإنسان مع ضغوط وقيود الطبيعة كالزلازل والأعاصير والبراكين والفيضانات والسيول وشح الماء والحرائق والحر والبرد، والموارد من باطن الأرض أو البحر.
ذهب الإنسان في معركته تلك إلى الفضاء المفتوح، فالقمر فالكواكب السيّارة. وفي كل مرة كان يتغلب فيها على واحد من تلك الضغوط يعتبر نفسه قد كسر قيداً وتحرر من عقبة في طريق حريته المطلقة في مواجهة الطبيعة. وعندما يفشل العلم في التحرر من قيد الطبيعة قد يلجأ إلى ما وراء الطبيعة، أو حتى السحر للتعامل مع ظواهر الطبيعة القاسية التي تقيد حريته.
يولد الإنسان حراً، ولكنه مكبل. فمع بدء صيحات بكائه الأولى تبدأ القيود الاجتماعية والطقوس والتقاليد تفرض نفسها عليه، وقد تكون أشد وطأة من القيود الطبيعية، اسمه، لونه، دينه، طبقته.
ومع أن الضغوط الاجتماعية قد تكون شديدة التقييد، إلا أنها وفي ضمن عجلة التغيير قابلة للتحول ولا تتوقف عن التغير.
أما معركة الحرية الأشد، فهي معركة الإنسان في سبيل حريته مع الإنسان ذاته. فأول ما ملكه الإنسان كان الإنسان نفسه، فنشأت العبودية والرق، وكانت معركة مازالت تدور رحاها، عنوانها تحرير الإنسان من ظلم الإنسان وقهره، وعنصريته، وكراهيته، ونظرته الدونية.
ومع نشوء الدولة الحديثة في منتصف القرن السابع عشر، تحول الاضطهاد والتمييز شيئاً فشيئاً ضد النوع نفسه والفئة نفسها داخل الدولة وداخل المجتمع نفسه، فلم تعد السلطة تقهر لأسباب عنصرية أو عرقية أو لغوية فحسب، ولكنها تحولت إلى أداة قهر سياسي واقتصادي واجتماعي، تمنع الخصوم من ممارسة حريتهم السياسية، وتستخدم لتحقيق ذلك كافة الوسائل المشروعة وغير المشروعة.
وهكذا تظل درجة الحرية والقيود المفروضة عليها المؤشر الأبرز للصراع الدائر في المجتمع، وكلما استقرت الحريات وتوافرت لها حماية القانون، دل ذلك على توازن المجتمع وجديته ورغبته في مستقبل مستقر، حر، عادل متكافئ، والعكس صحيح.