«إحنا غير».. كنا غير، تماماً كما نوه او تحسر الدكتور الخطيب.. كنا متميزين حضارياً ومدنياً وحتى سياسياً عن مجمل شعوب المنطقة. صحيح ان غيرنا من الشعوب المحيطة يتمتع بإرث تاريخي مميز، وحضارة ضاربة في العمق.. لكن بقيت الكويت منارة متميزة في ظل الانكفاء والتغييب، الذي طال حاضر شعوب المنطقة. كنا غير.. كنا في الطليعة، وكنا الاكثر انسجاما واستيعابا لظواهر وعوامل هذا العصر.
لكن تكالبت الظروف، وتم تحييد النشاط المدني والحضاري الكويتي. وتم قصقصة اجنحة التطور والتقدم. بحيث اننا اصبحنا، وبلا جدال، نلهث خلف الكثيرين او في الواقع الكل. الكل تقدم والكل وجد صيغة ما، يتأقلم فيها مع التطور ويستوعب ظواهر التقدم والتحضر الحالي. إلا نحن، مع الاسف، فقد شغلنا البعض بمواجهة قضايا وظروف الامس، بل نجح في جرنا حضاريا ومدنيا خطوات بعيدة الى الوراء. بحيث اصبحنا في نهاية الامر في نهاية سلم الرقي والتمدن الذي طال كل من حولنا.
مع هذا بقينا «سياسيا» غير. كنا ولا نزال، الى حد ما، اكثر رقيا وافضل مركزا في نهاية الامر. وذلك بسبب تطور النظام السياسي الذي اخترناه، والتحصين والحماية التي وفرها هذا النظام لمؤسسات وبنى المجتمع، خصوصا الثقافية والسياسية، التي بقيت بفعل الحماية الدستورية بعيدة بعض الشيء عن ايدي العبث ومعاول الهدم التي طالت غيرها. رغم معاول الهدم الداخلية، ورغم تعارض بعض القوى الاجتماعية مع النظام السياسي العام، فإن هذا النظام ظل بفعل الحماية الدستورية والعناد الوطني الديموقراطي المتمسك به، ظل صامدا ومحصنا عن العبث والتدمير.
المؤسف في الوقت الحالي، وفي ظل خطورة الاوضاع الاقليمية، ومتطلبات «التعاون» بين الانظمة او التكاتف بين شعوبها، ان التأثيرات الخارجية مع الضغوط الداخلية تتلاقيان في انسجام واضح من اجل تحييد النظام الديموقراطي الكويتي، والنيل من اكثر مبادئه أهمية وتأثيراً في الواقع، وهي الحرية او حرية الرأي والتعبير بشكل اساسي.
لقد عجزت قوى الردة منذ الستينات عن التصدي لحق التعبير وتكبيل حرية الرأي. اليوم تتحد القوى الداخلية مع الظروف والمخاطر الخارجية وينجحان، مع الاسف، في الحد بشكل ملحوظ من حرية الرأي والتعبير في الكويت.