محمد الوشيحي

مانشيتات

هي هواية قديمة، أمارسها بشكل يومي، حتى قبل أن أدخل الإعلام برجلي اليمنى… أقرأ مانشيتات الصحف التي تصلني إلى مقر عملي، وأقارن أيها أفضل صياغة ومعنى وعمقاً. سياسية كانت، أو رياضية. ثم أقرأ الأخبار تحت المانشيتات، وأضع «مانشيتاتي» أنا.
وأرى أنه كلما كان المانشيت قصيراً، من كلمة أو اثنتين أو ثلاث على أقصى تقدير، ازداد قوة ومتانة وسحراً. ويا جماله ودلاله لو صيغ باللهجة المحلية.
وكلنا يتذكر المانشيت الخالد لهذه الجريدة، الذي اختصر كلمات وبحوثاً وحججاً ووثائق عن موضوع سحب الجنسيات: «طاح الحطب». الله الله الله. من منا لا يتذكره؟ ومن منا سينساه مهما طال الزمن. كان مانشيتاً نووياً بمعنى الكلمة.
وبعده، وبدرجة أقل قليلاً، جاء مانشيت فخيم، يختصر ويكشف ويوضح ويحمل أكثر من معنى، عندما قام بعض نواب هذا المجلس، الذي لا أعترف به، بحركة استعراضية، توقعوا أن تدر عليهم الأرباح، فتطايرت رؤوس أموالهم، وأقصد حركة تسليم أسلحتهم لوزارة الداخلية، فبرز مانشيت هذه الجريدة: «المجلس سلّم سلاحه»، فصفق الناس للصياغة والوصف، والأهم الصدقية.
وفي انتخابات رئاسة هذا المجلس، أكرر: الذي لا أعترف به، وبعد انتخاب رئيسه الحالي، كتبت جريدة الراي مانشيتاً معبراً عن فرحتها بفوزه، ومعلنة فيه نتيجة الانتخابات، صيغ من كلمة واحدة على مساحة الأعمدة الثمانية: «… الغانم». استطاعت جريدة الراي من خلاله جمع أكثر من معنى في كلمة واحدة، واحدة فقط.
هذه أمثلة من عدد ليس بالقليل من المانشيتات الخالدة… وفي مقابل ذلك، تصدر بعض الصحف بمانشيتات، لا أدري لماذا أشعر أنها كتبت بعقلية موظف غلبان، صاغها بعجالة ليلحق بالأوتوبيس، فتقرأ مانشيتاً بلاستيكياً طويلاً كئيباً يقطع الخلف وينشر القرف، وتشمّ فيه رائحة الديتول النفاث مختلطة برائحة العرق والغبار.
أيها السادة والسيدات، لم يبق من الصحافة الورقية الشيء الكثير، فاحرصوا على إمتاعنا بما تبقى، خصوصاً بالمانشيت، المختصر الجامع الماتع.

آخر مقالات الكاتب:

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *