يبدو أن الكثير من المراكز البحثية والباحثين العرب والمسلمين الذين بذلوا جهوداً كبيرةً على مدى سنوات في إجراء الدراسات والأبحاث المتعلقة بواقع الشباب في العالم العربي والإسلامي، مصابون بخيبة أمل كبيرة ومقلقة جداً، والسبب في ذلك هو عدم اكتراث الكثير من الحكومات بنتائج الدراسات رغم أهميتها.
ليس ترفاً القول أن الشباب هم عماد الأوطان وثروة الأمم، ثم تتساقط تلك المقولة الإنشائية، وإن كانت حقيقة في أصلها، بسبب إهمال شئون الشباب في الوطن العربي، حتى وجدنا أن غالبيتهم اليوم في طليعة مسارين بارزين ومسار واحد لا يكاد يُذكر: إما مسار الإحباط وفقدان الأمل في تحقيق الطموحات والأحلام، والثاني هو الالتحاق بالإيديولوجيات الطائفية والتطرف والعصبية القبلية، وأشدها الانضمام إلى المجموعات الإرهابية المسلحة، فيما المسار الذي لا يكاد يُذكر، هو إصرار فئة من الشباب على أن يثبتوا وجودهم على الأصعدة العلمية والأكاديمية، ومجالات الإبداع والإنتاج والتميز.
ربما من البديهي القول، أن المسار الثالث (الضعيف) هو ما يجب أن يكون الأقوى والأولى والأوحد، لكن كيف يكون ذلك وحكومات الكثير من الدول تجد في الشباب فئة يمكن «التشدق بها وبأهميتها وبأدوارها المهمة في وسائل الإعلام» من جهة، ولا تجد الرعاية والاهتمام والدعم الحقيقي من جهة أخرى؟
في كل المجتمعات العربية والإسلامية التي شهدت ثورات وحركات مطلبية منادية بالتغيير والحقوق والعدالة الاجتماعية والديمقراطية، كان الشباب ولا يزالون في الطليعة، إلا أنهم أيضاً في طليعة المتهمين بالتآمر والتخريب والتدمير والوقوع في طريق الضلال. ومع شديد الأسف، سار الإعلام العربي والإسلامي في اتجاه إظهار شباب الأمة على أنهم «قنابل مدمرة»، بسبب أفعالهم الخطيرة المدمّرة لأوطانهم.
وفي المقابل، أليس من المنطقي التساؤل: «لماذا يغيب الاهتمام بدراسة قضايا الشباب وتحديد الأسباب التي تؤدي إلى ميولهم للالتحاق بالجماعات الإرهابية واعتناق أفكار العنف والتطرف؟ ولماذا في الأصل، يتم إهمال وتجاهل التحذيرات والتوصيات المهمة للدراسات المنجزة فعلاً، والتي قرعت ولا تزال تقرع جرس الإنذار عن خسارة فئة كبيرة من الشباب تتعرض للإهمال والتهميش والحرمان من الحقوق؟
ببلاهة، تتكرّر في وسائل الإعلام العربية والإسلامية وعلى ألسنة المدعين بأنهم ناشطون أو مهتمون بشئون الشباب أو متخصصون في قضايا المجتمع والأسرة، تتكرّر عبارة واحدة فضفاضة: «على أولياء الأمور الاهتمام بتنشئة وتربية أبنائهم التربية الصحيحة؟»، وماذا عن دور الحكومات التي تحرم الشباب من أبسط حقوقهم؟ ومن قال إن تمرد الشباب على واقع سيء هو نتاج تنشئة وتربية سيئة؟
ففي العالم العربي الذي يبلغ تعداد سكانه 400 مليون نسمة تقريباً، يمثل الشباب حوالي 50 مليون نسمة، ونسبة كبيرة جداً من الشباب، يواجهون تحديات جسيمة للغاية تتضاعف مع واقع الأمة العصيب وإشكالياته البالغة التعقيد والصعوبة. وإذا استمر إهمال الشباب، وتغافلت الحكومات عن صياغة استراتيجيات وطنية حقيقية لتنمية قطاع الشباب، فإن السنوات المقبلة، ستوجد شريحة شبابية كبيرة لن يمكن السيطرة على تمردها.
يختصر الباحث والأكاديمي صالح نجيدات في الكثير من كتاباته في شئون الشباب حجم الخطر بقوله: «يحدث اليوم غسيل للكثير من عقول الشباب العربي من قبل بعض المتطرفين والمتهورين والمشتبهين، بحيث صدق هؤلاء الشباب الكثير من الأوهام والتصورات، وتبنى الكثير من الأفكار والمعتقدات، وأصبح يتصرف كما لو أنه المسئول عن كل ما يحدث في كل العالم، مستنداً على بعض القناعات والإستدلالات والتفسيرات غير الواضحة والخاطئة أو التي لم يتم الإجماع عليها، وهم في أغلبيتهم الساحقة، واقعون بين مطرقة التطرف والتشدد وسندان الإنحلال والميوعة وضعف الانتماء الوطني. لكن هنالك نسبة من شباب الأمة يُمثل خط الاعتدال والتسامح والانفتاح والوعي وتحمل المسئولية والقدرة على الإنتاجية والمشاركة في التنمية الوطنية». (انتهى الاقتباس).
نأتي لسؤال نوجهه إلى المسئولين عن قطاع الشباب في دول مجلس التعاون الخليجي: «هل من الممكن أن نطلع على ما قدمتم من دراسات وأبحاث وخطط عمل حقيقية وبرامج وطنية تجمع الشباب (في حضن الوطن) بعيداً عن التمييز المذهبي والتهميش والمحسوبية؟ وما هي أبرز جهودكم لاحتضان الشباب، بكل طوائفهم وانتماءاتهم وطبقاتهم، كي لا تستهويهم مشاهد السكاكين ونحر الرقاب، ونخسر، على سبيل المثال، طبيباً شاباً له مستقبل واعد ترك وطنه وأهله وفجّر نفسه في الأبرياء منتحراً؟»… ملف الشباب خطير للغاية يا سادة فانتبهوا.