الحالة السياسية في الكويت تعيش تناقضاً غريباً ومغايراً للمنطق، حيث انحسار شارع المعارضة والحراك الشعبي وصولاً إلى ما يشبه العدم، مقابل تمادي الفساد المنظم تحت مرأى ومسمع المؤسسات الدستورية وفي مقدمتها مجلس الأمة، إن لم نقل برعاية ودراية من الجهات المسؤولة.
الأغرب من ذلك الجرأة غير المسبوقة لتيارات الفساد ورموزها في طرح آرائها ومواقفها التي تعد استهزاءً واستخفافاً بعقول الناس، حتى وصلت بنا الحال أن يستمرئ بعض أعضاء مجلس الأمة التشريعات الفاسدة والمفصّلة حسب الطلب، كما هي محاولة نبش قبر قانون المديونيات الصعبة رغم تراجع أسعار النفط إلى ثلث قيمتها قبل عام والعجز المالي الكبير الناجم عن ذلك.
المفارقة العجيبة الأخرى أن الغالبية العظمى من الناس غاضبة، وهي مدركة مدى انزلاق البلد في وصل الفساد، ولكنها في الوقت نفسه أصبحت شبه يائسة ومحبطة، وخصوصا بعد الإجراءات العنيفة التي اتخذتها الحكومة بحق معارضيها والتي تتراوح ما بين الاعتقال والحبس وسحب “الجناسي”.
السؤال الذي يطرح نفسه ماذا بعد؟ وما البدائل التي يمكن اللجوء إليها للحد من حالة التدهور السياسي وطغيان الفساد؟ وهل بالإمكان إعادة بصيص الأمل في الإصلاح وآلياته؟ بالتأكيد هذه التساؤلات صعبة وتشكل تحدياً كبيراً لأي حراك قادم، فرموز الأغلبية انغلقوا على أنفسهم وتاهوا وسط خلافاتهم وأجنداتهم وتم اختراقهم من الداخل، وشتتوا عناوين المعارضة السياسية، وفرضوا الشعارات الدينية المتشددة البعيدة كل البعد عن مشاريع الإصلاح الوطني، ووضعوا مصر وليبيا وسورية والعراق والبحرين واليمن كأولويات، وحاولوا جر الحشود الشعبية وراء هذه الأجندات التي تتباين حولها الآراء، ناهيك عن تسببها في انقسامات داخلية حادة وصلت إلى حد القطيعة، والشباب المتحمس لم يعد ينبهر بالكثير من الرموز التي لا تحمل الكثير من مؤهلات القيادة السياسية سوى كونهم نواباً سابقين.
الحكومة وحلفاؤها من جانب آخر استفردت بمعظم وسائل الإعلام والصحافة والقنوات الفضائية، وبات نشاط المعارضة محصوراً خلف وسائل التواصل الاجتماعي وأجهزة الآيفون، رغم المنافسة الشديدة حتى في هذه الآلية من الأطراف الأخرى، والكم الهائل من المعلومات والأخبار والإشاعات التي تشوش المشهد العام إلى حد كبير.
إذا كان هناك بصيص للأمل في استعادة المعارضة الوطنية دورها فهذا يكمن في رأيي في استئناف الحوار بين مختلف المكونات السياسية والشعبية والاجتماعية، ومحاولة التركيز على عنوان واحد لا يحتمل التأويل والاختلاف بعيداً عن الشعارات الضيقة والأجندات المخفية، مع الدفع بوجوه شبابية جديدة لم تشوهها الأطروحات الطائفية والقبلية والمناطقية لتتصدر المشهد، وتجاربنا التاريخية خير شاهد على أن قضية واحدة وطنية ومخلصة كفيلة بأن تجمعنا، في حين تعدد الأجندات والمكابرة والعناد تصيب الجميع في مقتل كما هو حاصل الآن، فهل تعتبر من دروس الماضي ونتفاءل بحلم التسامح والإصرار بأن بلدنا المستباح هو للجميع على قدم المساواة؟!