المشكلة لا تقتصر على أيام الجمعة فقط، كبقية الناس، لا، صاحبنا هذا يهوى إغراقي، واغراق كل معارفه، في محيط من الرسائل الهاتفية (المسجات) الدينية في كل يوم، وفي آناء الليل وأطراف النهار.
هناك، بالتأكيد، من أوهمه أنني من كفار قريش، أو من جلسائهم، في أحسن الأحوال. يبدو أنه يظن أنني لا أسافر إلا ومعي ندمائي، أمية بن خلف وأبو لهب والوليد بن المغيرة وشباب بني قريظة، عليهم لعائن كل من في البر والبحر والجو.
وفي بلاد الكفر، أوروبا، نعربد، أنا وندمائي الملاعين، ليل نهار، ونغازل الشقراوات والسمراوات، السمينات منهن والنحيفات، ونتبادل أقداح الخمر، وقرض الشعر الماجن.
يا الله. أضع رأسي على المخدة، فتنطلق صافرة الرسائل الهاتفية، فأفتحها، فإذا برسالة دينية، فأطلع عليها، وأعاود محاولة النوم، فتصلني أختها، فأطلع عليها، فالثالثة، فالرابعة، فالعاشرة، فأبكي قبل أن أرفع يدي بالدعاء.. أمد يدي لتناول لقمة، أسدّ بها رمقي، وأهش بها على أمعائي، فتنطلق صافرة الرسائل الهاتفية الدينية، فأتبلم ويخونني التعبير، ويصيبني الرعاش، وأعجز عن لطم خدودي..
يا أيها الدعاة التكنولوجيون، ألم تسمعوا، أو تقرؤوا، من بين كل هذه الأحاديث النبوية، أو الروايات الدينية، التي تنثرونها فوق رؤوس الناس بغزارة، عن الرحمة؟ ارحمونا يرحمكم الله.
هؤلاء الدعاة التكنولوجيون «بهدلونا تبهديل»، على رأي الجزائريين. بل أجزم إنهم ينفّرون ولا يقرّبون، فكثرة السقي تُغرق الشجر، وكثرة الطرْق تفتت الحجر، وكثرة الرغي تجلب الكدر، وكثرة الرسائل تجلب الضرر.. ارحمونا.