يوم أن بزغت أولى ساعات الفجر المبكر ليوم 26 فبراير 1991 يوم التحرير، حتى كانت حركة الكويتيين مختلفة تماما في هذه السويعات، فقد ارتسمت على وجوههم ابتسامات فرح التحرير، مصحوبة بملامح للوجوم والترقب! هل انتهى الغزو ودوامته كاملة؟ هل أهلنا وأبناؤنا بخير؟ وهل أسرانا بخير؟ هل عرفنا من هم شهداؤنا وعددهم وأحوال أهليهم؟ وقد رافق ذلك تحرك ميداني شجاع من الصامدين من الرجال والشباب، الذين حاولوا تعقب القوات العراقية أو فلولها في كل مناطق الكويت وضواحيها، وقد كان أكثر المشاهد إثارة للدهشة هو أن مداهمة وتفتيش كل الأماكن أو البيوت، التي كانت يستغلها قادة الغزاة واستخباراتهم، خالية ونظيفة من أي أثر لهم، رغم الوصول إليها في ساعات الفجر الأولى. (الساعة الرابعة صباحا).
لقد كان الكويتيون أسعد حالا في ذلك اليوم أكثر من سعادتهم في أي يوم آخر، رغم جراحهم ومصاب.هم الجلل من الغزاة وآثار أعمالهم المدمرة على البلاد والعباد، ويكمن سر فرحهم في ثلاثة أمور هي:
1ــ أن بلدهم عاد إليهم محررا بفضل الله، وقد عاشوا معنى معاناة أن يصبح بلد وشعب تحت الاحتلال، بما فيه من شعور بتياه من ليس له بلد، والقهر والذلة التي يعيشها من هو تحت الاحتلال بتسلط وجبروت المحتل، وعدم اكتراثه بأي مبادئ دينية أو أخلاقية أو إنسانية أو مواثيق عالمية، وأن الوطن قوته في أن يجمع ويعضد من ترابط أبنائه بعضهم بعضا وانتمائهم الى وطن واحد من دون ولاء لأي بلد آخر.
2 ــ أن المواطنة تجسدت بتضحيات حقيقية وبملاحم بطولية من المقاومة والصمود والمرابطة والإصرار على فضح المحتل، ولم يتميز أي تشرذم طائفي أو فئوي أو قبلي أو تفتيتي في المجتمع، رغم فشل البعض في احتبار المواطنة في هذه الفترة الحرجة من تاريخ البلد، وقد أحزنهم أن تظهر في السنوات التالية للغزو ولاءات مزدوجة لدى البعض من فئات غير قليلة، ممن لا تعنيهم المواطنة في شيء، فصار لديهم ازدواج واضح في الجنسية، بل الولاء من خلال الاصطفاف مع دولة أخرى لأسباب معيشية أو غيرها.
ونحن بحاجة مهمة الى تنقية المجتمع لإعادة بهجة المواطنة الحقة، التي أفرحت الكويتيين لحظة التحرير.
3 ــ ان فرصة إعادة بناء الوطن، بعد أن عاش معاناة غير مسبوقة وخروج معظم الوافدين، صارت قاب قوسين أو أدنى للتحقق، وصار تمييز الغث من السمين واضحا بما جلبه التحرير من ع.بر ودروس، ستكون حاضرة في رسم مستقبل البلد وفق خارطة طريق، طالما حملها الأجداد، وحلم بها الأبناء في ظل دولة الدستور والمؤسسات، وقد قلت لأحد الأصدقاء إن أسباب الإعاقة في البلد لا تزال حاضرة حتى بعد التحرير، ولن يعاد بناء البلد بوجود المعاقين وأسباب هذه الأعاقة، ويبدو أن قراءاتي للمستقبل كانت صادقة، إذ تراجع البلد منذ ذلك الوقت ومن انحدار إلى أسوأ، وبيت الداء يكمن في تدهور مؤسسة مجلس الوزراء، الذي ربما تحول أحيانا الى قطعة من الديكور بكل أسف.
وقد طالبت مرارا برئيس وزراء شعبي.
ولتبق الكويت وطن النهار.