هذا يصر: “قائد المقاومة الكويتية للاحتلال العراقي هو محمد الفجي”، وذاك يحتج: “أبداً، هو أحد قادة المقاومة لا قائدها. القائد هو الشيخ عذبي الفهد”، وثالث يوضح: “هو قائد المقاومة لفترة من الفترات، قبل أن يُلقى القبض عليه”… اختلف رواد الديوانية على “منصبه الشعبي والتاريخي”، واتفقوا على أنه “أحد أبطال المقاومة المشهود لهم”.
عن نفسي، أميل إلى الرأي القائل: “هو أحد أبرز قادة المقاومة”، فالمقاومة ليست إدارة ولا وزارة ولا حتى ميليشيا تقاد بمركزية. المقاومة كانت تلقائية، فوضوية، حماسية، بدافع وطني. وأبطال المقاومة في الفحيحيل، لا علاقة لهم بأبطال المقاومة في كيفان، ولا بأبطال الجهراء، ولا بأبطال العمرية والرابية، ولا بأبطال الدسمة، ولا بغيرها. الاختلاف فقط بين قوة هذه الخلية، وتأثير تلك، ومدى شهرة هذه وتلك.
على أية حال، كل هذا باقٍ في وجدان الشعب، وصفحات قلوبهم، حتى إن تجاهلت الدولة ذلك، أو حتى لو لم تعطه الاهتمام اللائق.
والسؤال الآن، ليس؛ “هل تم تقدير هذا البطل وبقية أبطال المقاومة الأحياء؟”، بل؛ لماذا تم تجاهلهم؟ ولماذا لم يتم تكريم من هم أكرم منهم ومني ومنك، أيها القارئ، وأقصد شهداء الغزو العراقي؟ لا تندفع بالإجابة عن هذه الأسئلة، قبل أن تسأل نفسك؛ هل يحفظ أحد أسماء شهدائنا؟ أو حتى خمسين اسماً من أسماء شهدائنا؟ الإجابة الواضحة المخزية هي “لا الدامعة”. طيب ليش؟ لأن هناك من يريد أن تتلاشى أسماؤهم وبطولاتهم ومجدهم. وإلا ما معنى ألا يحمل أي شارع رئيسي، أو مرفق رسمي، أو حتى ساحة، اسم شهيد؟ قل لي ما معنى ذلك؟
ستقول: بعض الأفرع في الجمعيات التعاونية تحمل أسماء بعض الشهداء، وسأرد عليك: هذه التسمية أطلقها أعضاء مجلس إدارة الجمعية، الذين يمثلون سكان المنطقة، التي كان يسكن فيها الشهيد رحمه الله، وعائلته وأقرباؤه، لذا تعتبر تكريماً شعبياً لا رسمياً، ثم إنها أفرع معدودة، فماذا عن البقية؟ وماذا عن المرافق الرسمية للدولة؟
وبالعودة إلى الحديث عن البطل محمد الفجي، الذي يعيش الآن في دبي… ألا يوجد في الحكومة وجه يعرق، وهو يرى أحد قادة المقاومة وأبطالها يعيش خارج البلد؟ دع عنك تكريمه وتقديره، حدثني الآن عن اغترابه، الذي يحتفظ بأسبابه بينه وبين نفسه، لكنها أسباب مرتبطة بطريقة تعامل السلطة معه في الكويت. لماذا لا يُستدعى ويُسأل عن سبب اغترابه؟ حتى لو كان الاهتمام به من أجل حفظ ماء وجوهنا أمام العرب الذين يتساءلون عن سبب اغتراب هذا البطل عن بلده الذي ضحى من أجله.
ختاماً، كما قال محمد الفجي لي، ذات ليلة: لا أحتاج تكريماً ولا تقديراً، فلا منة لي على بلدي وأهلي. وإن أردتم تكريمي وتقديري فكرموا الشهداء وقدروهم. هم من يستحقون ذلك.